أُمْنِيَّةٌ ظَفِرَتْ نَفْسِي بِهَا زَمَنًا … وَالْيَوْمَ احْسَبُهَا أَضْغَاثَ أَحْلَامِ
ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ هُوَ اللهُ، وَأَنَّهُ مَا ثَمَّ مَرَدٌّ إلَيْهِ، وَمَرْجِعٌ إلَيْهِ، غَيْرُ مَا كَانَ هُوَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا جَاءَتْهُ مَلَائِكَةُ اللهِ تَنْزِعُ رُوحَهُ مِن جِسْمِهِ، وَبَدَا لَهُ مِن اللهِ مَا لَمْ يَكُن يَحْتَسِبُ: تبَيُّنَ لَهُ أَنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ مِن الشَّيْطَانِ.
وَكَذَلِكَ حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَن بَعْضِ مَن أَعْرِفُهُ وَلَهُ اتِّصَالٌ بِهَؤُلَاءِ عَن الْفَاجِرِ التلمساني: أَنَّهُ وَقْتَ الْمَوْتِ تَغَيَّرَ وَاضْطَرَبَ، قَالَ: دَخَلْت عَلَيْهِ وَقْتَ الْمَوْتِ فَوَجَدْته يَتَأَوَّهُ، فَقُلْت لَهُ: مِمَّ تَتَأَوَّهُ؛ فَقَالَ: مِن خَوْفِ الْفَوْتِ، فَقُلْت: سُبْحَانَ اللهِ وَمِثْلُك يَخَافُ الْفَوْتَ، وَأَنْتَ تُدْخِلُ الْفَقِيرَ إلَى الْخَلْوَةِ فَتُوَصِّلُهُ إلَى اللهِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَقَالَ مَا مَعْنَاهُ: زَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَمَا وَجَدْت لِذَلِكَ حَقِيقَةً.
وَلَوْلَا أَنَّ أَصْحَابَ هَذَا الْقَوْلِ كَثُرُوا وَظَهَرُوا وَانْتَشَرُوا، وَهُم عِنْدَ كَثِيرِ مِن النَّاسِ سَادَاتُ الْأَنَامِ، وَمَشَايخُ الْإِسْلَامِ، وَاهْلُ التَّوْحِيدِ وَالتَّحْقِيقِ، وَأفْضَلُ أَهْلِ الطَّرِيقِ، حَتَّى فَضَّلُوهُم عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَأَكَابِرِ مَشَايخِ الدِّينِ: لَمْ يَكُن بِنَا حَاجَة إلَى بَيَانِ فَسَادِ هَذه الْأَقْوَالِ، وَإِيضَاحِ هَذَا الضَّلَالِ، وَلَكِنْ يعْلَمُ أنَّ الضَّلَالَ لَا حَدَّ لَهُ، وَانَّ الْعُقُولَ إذَا فَسَدَتْ لَمْ يَبْقَ لِضَلَالِهَا حَدٌّ مَعْقُولٌ، فَسُبْحَانَ مَن فَرَّقَ بَيْنَ نَوْعِ الْإِنْسَانِ، فَجَعَلَ مِنْهُ مَن هُوَ أَفْضَلُ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ مِنْهُ مَن هُوَ شَرٌّ مِن الشَّيَاطِينِ.
فَهَذِهِ الْمَقَالَاتُ وَأَمْثَالُهَا مِن أَعْظَمِ الْبَاطِلِ، وَقَد نَبَّهْنَا عَلَى بَعْضِ مَا بِهِ يُعْرَفُ مَعْنَاهَا، وَأنَّهُ بَاطِلٌ وَالْوَاجِبُ إنْكَارُهَا؛ فَإِنَ إنْكَارَ هَذَا الْمُنْكَرِ السَّارِي فِي كَثِيرٍ مِن الْمُسْلِمِينَ أوْلَى مِن إنْكَارِ دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، الَّذِي لَا يَضِلُّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ (١)، لَا سِيَّمَا وَأقْوَالُ هَؤُلَاءِ شَرٌّ مِن أقْوَالِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
(١) وكذلك يُقال في إنكار مقالات وكتابات أشباههم في هذا العصر من الرافضة والمنافقين ونحوهم؛ فالواجب على أهل العلم والاختصاص أن يردُّوا عليهم، ويكشفوا ضلالهم، ويُحذروا الناس من شرهم.