وَأَمْرُهُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْإِيجَابِ.
وَأَيْضًا قَالَ لَهُ: "فَإنَّك لَمْ تُصَلِّ" فَنَفَى أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ الْأَوَّلُ صَلَاةً، وَالْعَمَلُ لَا يَكُونُ مَنْفِيًّا إلَّا إذَا انْتَفَى شَيءٌ مِن وَاجِبَاتِهِ.
فَأَمَّا إذَا فَعلَ كَمَا أَوْجَبَهُ اللهُ -عز وجل- فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ لِانْتِفَاءِ شَيءٍ مِن الْمُسْتَحَبَّاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.
وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ هَذَا نَفْيٌ لِلْكَمَالِ.
فَيُقَالُ لَهُ: نَعَمْ هُوَ لِنَفْيِ الْكَمَالِ، لَكنْ لِنَفْيِ كَمَالِ الْوَاجِبَاتِ أَو لِنَفْي كَمَالِ الْمُسْتَحَبَّاتِ؟
فَأَمَّا الْأوَّلُ فَحَقٌّ، وَأَمَّا الثَّانِي: فَبَاطِلٌ، لَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ اللهِ -عز وجل-، وَلَا فِي كَلَامِ رَسُولِهِ قَطُّ وَلَيْسَ بِحَقّ.
فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا كَمُلَتْ وَاجِبَاتُهُ فَكَيْفَ يَصِحّ نَفْيُهُ؟
وَلهَذَا يُؤْمَرُ مِثْلُ هَذَا الْمُسِيءِ بِالْإِعَادَةِ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- هَذَا.
لَكِنْ لَو لَمْ يُعِدْ وَفَعَلَهَا نَاقِصَةً فَهَل يُقَالُ: إنَّ وُجُودَهَا كَعَدَمِهَا، بِحَيْثُ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا؟
أَو يُقَالُ: إنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا فَعَلَهُ وَيُعَاقَبُ عَلَى مَا تَرَكَهُ، بِحَيْثُ يَجْبُرُ مَا تَرَكَهُ مِن الْوَاجِبَاتِ بِمَا فَعَلَهُ مِن التَّطَوُّعِ؟
هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَه عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِن أَعْمَالِهِمْ الصَّلَاةُ، قَالَ: يَقُولُ رَبّنَا -عز وجل- لِمَلَائِكَتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ: اُنْظُرُوا في صَلَاةِ عَبْدِي أتمَّهَا أَمْ نَقَصَهَا؛ فَإِنْ كَانَت تَامَّة كُتِبَتْ لَهُ تَامَّة، وَإِن كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ: اُنْظُرُوا هَل لِعَبْدِي مِن تَطَوُّعٍ؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ قَالَ: أَتِمُّوهَا مِن تَطَوُّعِهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى ذَلِكُمْ" (١).
(١) صحَّحه الألباني في صحيح أبي داود (٨١٠).