مِن جِهَةٍ أُخْرَى؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْوَاحِدَ يُرَادُ مِن وَجْهٍ وَيُكرَهُ مِن وَجْهٍ آخَرَ. كَالْمَرِيضِ الَّذِي يَتَنَاوَلُ الدَّوَاءَ الْكَرِيهَ؛ فَإِنَّهُ يُبْغِضُ الدَّوَاءَ وَيَكْرَهُهُ وَهُوَ مَعَ هَذَا يُرِيدُ اسْتِعْمَالَهُ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمَحْبُوبِ لَا لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مَحْبُوبٌ. ١٠/ ٤٨٢ - ٤٨٣
* * *
أنواع الفناء
٢٥٣ - الْفَنَاءُ الشَّرْعِي (١): أَنْ يَفْنَى بِعِبَادَةِ اللهِ عَن عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، وَبِطَاعَتِهِ عَن طَاعَةِ مَا سِوَاهُ، وَبِالتَّوَكلِ عَلَيْهِ عَن التَّوَكُّلِ عَلَى مَا سِوَاهُ، وَبِسُؤَالِهِ عَن سُؤَالِ مَا سِوَاهُ، وَبِخَوْفِهِ عَن خَوْفِ مَا سِوَاهُ، وَهَذَا هُوَ إخْلَاصُ الدِّينِ للهِ وَعِبَادَتُهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَرْسَلَ اللّه بِهِ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ. ٢٢/ ٣٠٧ - ٣٠٨
٢٥٤ - الفناء الذي يفضي بصاحبه إلى مثل هذا (٢) حال ناقص، وإن كان صاحبه غير مكلف، ولهذا لم يود مثل هذا عن الصحابة الذين هم أفضل هذه الأمة ولا عن نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو أفضل الرسل. ١٠/ ٦٠
٢٥٥ - الْفَنَاءُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
أ - فَنَاءٌ عَن وُجُودِ السِّوَى.
ب - وَفَنَاءٌ عَن شُهُودِ السِّوَى.
ج - وَفَنَاءٌ عَن عِبَادَةِ السِّوَى.
فَالْأوَّلُ: هُوَ فَنَاءُ أَهْلِ الْوَحْدَةِ الْمَلَاحِدَةِ، وَهُوَ أنْ يُجْعَلَ الْوُجُودُ وُجُودًا وَاحِدًا (٣).
وَأَمَّا الثَّانِي: فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَعْرِضُ لِكَثِير مِن السَّالِكِينَ .. وَهُوَ أَنْ يَغِيبَ
(١) وهناك فناءٌ بدْعِيّ، وهو الذي يتكلم عنه أهل التصوف.
(٢) أي: زوال العقل.
(٣) بِحَيْثُ يَرَى أَنَّ وُجُودَ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ. ٢/ ٣٤٣