أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَلَا يُشْرَعُ بِحَالٍ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَنَتَ ثُمَّ تَرَكَ وَالتَّرْكُ نَسْخٌ لِلْفِعْلِ.
وَالثَّانِي: أَنَ الْقُنُوتَ مَشْرُوعٌ دَائِمًا وَأَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ سُنَّةٌ وَأنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الْفَجْرِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَنَتَ لِسَبَب نَزَلَ بِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ السَّبَبِ النَّازِلِ بِهِ، فَيَكُونُ الْقُنُوتُ مَسْنُونًا عِنْدَ النَّوَازِلِ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَن الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رضي الله عنهم -.
فَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَخلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ تَدُلُّ عَلَى شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ دُعَاءَ الْقُنُوتِ مَشْرُوعٌ عِنْدَ السَّبَبِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ، لَيْسَ بِسُنَّة دَائِمَةٍ فِي الصَّلَاةِ.
الثَّانِي: أَنَّ الدُّعَاءَ فِيهِ لَيْسَ دُعَاءً رَاتِبًا؛ بَل يَدْعُو فِي كُلِّ قُنُوتٍ بِالَّذِي يُنَاسِبُهُ.
وَهَذَا النِّزَاعُ الَّذِي وَقَعَ فِي الْقُنُوتِ لَهُ نَظَائِرُ كَثِيرةٌ فِي الشَّرِيعَةِ: فَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِسَبَب، فَيَجْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ سُنَّةً، وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ السُّنَّةِ الدَّائِمَةِ وَالْعَارِضَةِ.
وَبَعْضُ النَّاسِ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يَكُن يَفْعَلُهُ فِي أَغْلَبِ الْأَوْقَاتِ فَيَرَاهُ بِدْعَةً، ويجْعَلُ فِعْلَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَخْصُوصًا أَو مَنْسُوخًا إنْ كَانَ قَد بَلَغَهُ ذَلِكَ؛ مِثْلُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي جَمَاعَةٍ، فَإِنَّهُ قَد ثَبَتَ عَنْهُ فِي "الصَّحِيحِ" أَنَّهُ صَلَّى بِاللَّيْلِ وَخَلْفَهُ ابْنُ عَئاسٍ مَرَّةً، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مَرَّةً، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا.
فَمِن النَّاسِ مَن يَجْعَلُ هَذَا فِيمَا يُحْدثُ مِن "صَلَاةِ الْأَلْفِيَّةِ" لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ، وَالرَّغَائِبِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُدَاوِمُونَ فِيهِ عَلَى الْجَمَاعَاتِ.
وَمِن النَّاسِ مَن يَكْرَهُ التَّطَوُّعَ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ إنَّمَا سُنَّتْ فِي