الْخَمْسِ (١)، كَمَا أَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا سُنَّ فِي الْخَمْسِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ مَا جَاءَت بِهِ السُّنَّةُ فَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي جَمَاعَةٍ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَا يَجْعَلُ ذَلِكَ سُنَةً رَاتِبَةً؛ كَمَن يُقِيمُ لِلْمَسْجِدِ إمَامًا رَاتِبًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ أَو فِي جَوْفِ اللَّيْلِ (٢) كَمَا يُصَلِّي بِهِم الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ.
وَيُشْبِهُ ذَلِكَ مِن بَعْضِ الْوُجُوهِ تَنَازُعُ الْعُلَمَاءِ فِي مِقْدَارِ الْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ قَد ثَبَتَ أَنَّ أبي بْنَ كَعْب كَانَ يَقُومُ بِالنَّاسِ عِشْرِينَ رَكْعَةً فِي قِيَامِ رَمَضَانَ وُيوتِرُ بِثَلَاثِ، فَرَأَى كَثِيرٌ مِن الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السُّنَّةُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ بَيْن الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ.
وَاسْتَحَبَّ آخَرُونَ: تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْقَدِيمِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: قَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" عَن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَكُن يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً.
وَاضْطَرَبَ قَوْمٌ فِي هَذَا الْأَصْلِ لِمَا ظَنُّوهُ مِن مُعَارَضَةِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِمَا ثَبَتَ مِن سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَعَمَلِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالصَّوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعَهُ حَسَنٌ؛ كَمَا قَد نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَد -رضي الله عنه-، وَأَنَّهُ لَا يتوقت فِي قِيَامِ رَمَضَانَ عَدَدٌ، فَإنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يُوَقِّتْ فِيهَا عَدَدًا.
وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ تَكْثِيرُ الرَّكَعَاتِ وَتَقْلِيلُهَا بِحَسَبِ طُولِ الْقِيَامِ وَقِصَرِهِ.
فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُطِيلُ الْقِيَامَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى إنَّهُ قَد ثَبَتَ عَنْهُ فِي
(١) أي: الصلوات الخمس.
(٢) في غير رمضان، حيث ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى التراويح في رمضان جماعة، ولم يُدوِام عليها خوفًا من أن تُفرض عليهم، وكذلك صلاها الصحابة جماعة راتبة.