فَلَو أَنَّ قَوْمًا اجْتَمَعُوا بَعْضَ اللَّيَالِي عَلَى صَلَاةِ تَطَوُّعٍ مِن غَيْرِ أَنْ يَتَّخِذُوا ذَلِكَ عَادَةً رَاتِبَةً تُشْبِهُ السُّنَّةَ الرَّاتِبَةَ: لَمْ يُكْرَهْ.
لَكِنَّ اتِّخَاذَهُ عَادَةً دَائِرَةً بِدَوَرَانِ الْأَوْقَاتِ: مَكْرُوهٌ؛ لِمَا فِيهِ مِن تَغْيِيرِ الشُّرِيعَةِ، وَتَشْبِيهِ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ بِالْمَشْرُوعِ.
وَلَو سَاغَ ذَلِكَ لَسَاغَ أَنْ يَعْمَلَ صَلَاةً أُخْرَى وَقْتَ الضُّحَى، أَو بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، أَو تَرَاوِيحَ فِي شَعْبَانَ، أَو أَذَانًا فِي الْعِيدَيْنِ، أَو حَجًّا إلَى الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهَذَا تَغْيِيرٌ لِدِينِ اللهِ وَتَبْدِيلٌ لَهُ.
وَهَكذَا الْقَوْلُ فِي لَيْلَةِ الْمَوْلِدِ وَغَيْرِهَا.
وَالْبِدَع الْمَكْرُوهَةُ مَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَبَّة فِي الشَّرِيعَةِ وَهِيَ: أَنْ يُشَرِّعَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ، فَمَن جَعَلَ شَيْئًا دِينًا وَقُرْبَةً بِلَا شَرْع مِن اللهِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ، وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِهِ: "كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" (١).
فَالْبِدْعَةُ: ضِدُّ الشِّرْعَةِ، وَالشِّرْعَةُ: مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ أَمْرَ إيجَابٍ أَو أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ -وَإِن لَمْ يُفْعَلْ عَلَى عَهْدِهِ- كَالِاجْتِمَاعِ فِي التَّرَاوِيحِ عَلَى إمَامٍ وَاحِدٍ، وَجَمْعِ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ، وَقَتْلِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَالْخَوَارجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَمَا لَمْ يَشْرَعْهُ اللهُ وَرَسُولُهُ: فَهُوَ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ؛ مِثْل تَخْصِيصِ مَكَانٍ أَو زَمَانٍ بِاجْتِمَاع عَلَى عِبَادَةٍ فِيهِ، كَمَا خَصَّ الشَّارعُ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ وَأَيَّامَ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَكَمَا خَصَّ مَكَّةَ بِشَرَفِهَا، وَالْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ وَسَائِرَ الْمَسَاجِدِ بِمَا شَرَعَهُ فِيهَا مِن الصَّلَوَاتِ وَأَنْوَاعَ الْعِبَادَاتِ، كُلٌّ بِحَسْبِهِ. ٢٣/ ١٣٢ - ١٣٤
٢٦٨٢ - سُنَّةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَغَيْرِهِمَا: تَطْوِيلُ أَوَّلِ الْعِبَادَةِ عَلَى آخِرِهَا؛ لِأَسْبَابٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ. ٢٤/ ٢٣٣
(١) رواه مسلم (٨٦٧).