فَمَن تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ أَو مُسْتَحَبَّةٍ: فَقَد أَقْرَضَ اللهَ سُبْحَانَهُ بِمَا أَعْطَاهُ لِعَبْدِهِ.
لَكِنَّ الْأَشْبَهَ: أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ الْمَذْكورَ فِي الْجُوعِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَرَضِ، وَهُوَ الْعَبْدُ الْوَلِيُّ الَّذِي فِيهِ نَوْعُ اتِّحَادٍ، وَإِن كَانَ اللهُ يُثِيبُ عَلَى طَعَامِ الْفَاسِقِ وَالذِّمِّيِّ.
وَنَظِيرُ الْقَرْضِ: النَّصْرُ فِي مِثْل قَوْله تَعَالَى: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} الحديد: ٢٥ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
فَقَد ذَكَرَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ الْقَرْضَ وَالنَّصْرَ، وَجَعَلَهُ لَهُ، هَذَا فِي الرِّزْقِ وَهَذَا فِي النَّصْرِ.
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْعِيَادَةُ، وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} البقرة: ١٧٧، وَقَوْلُهُ: {مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} البقرة: ٢١٤.
وَإِنَّمَا فِي الْحَدِيثِ أَمْرُ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَاحِدُ الْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: "عَبْدِي مَرِضْت وَجُعْت"، فَلِذَلِكَ عَاتَبَهُ.
وَأَمَّا النَّصْرُ: فَيحْتَاجُ فِي الْعَادَةِ إلَى عَدَدٍ، فَلَا يَعْتَبُ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ مُعَيَّنٍ غَالِبًا.
أَو الْمَقْصُودُ بِالْحَدِيثِ التَّنْبِيهُ، وَفِي الْقُرْآنِ النَّصْرُ وَالرِّزْقُ، وَلَيْسَ فِيهِ
الْعِيَادَةُ؛ لِأَنَّ النَّصْرَ وَالْقَرْضَ فِيهِ عُمُومٌ لَا يَخْتَصُّ بِشَخْص دُونَ شَخْصٍ، وَأَمَّا
الْعِيَادَةُ: فَإِنَّمَا تَكُونُ لِمَن يَجِدُ الْحَقَّ عِنْدَهُ (١). ٢/ ٣٩١ - ٣٩٣
* * *
(١) فرّق الشيخ -رحمه الله- بين الِاتِّحَادِ النَّوْعِيّ الْحُكْمِيّ والِاتِّحَادِ الْعَيْنِيِّ الذَّاتِيِّ.
وجعل ما جاء في الحديث من النوع الأول، وقال: فَسَّرَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ -سبحانه- فِي هَذَا الْحَدِيثِ أنَّهُ جُوعُ عَبْدِهِ وَمَحْبُوبِهِ؛ لِقَوْلهِ: "لَوَجَدْت ذَلِكَ عِنْدِي" وَلَمْ يَقُلْ: لَوَجَدْتنِي قَد أَكَلْته، =