(حكم قول: مَا رَأَيْت شَيْئًا إلَّا وَرَأَيْت اللهَ قَبْلَهُ، أَو رَأَيْت اللهَ بَعْدَهُ، أَو رَأَيْت اللهَ فِيهِ)
٢٥٨ - إِذَا قَالَ الْقَائِلُ: مَا رَأَيْت شَيْئًا إلَّا وَرَأَيْت اللهَ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ رَبُّهُ، وَالرَّبُّ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَبْدِ، أَو رَأَيْت اللهَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ آيَتُهُ وَدَلِيلُهُ وَشَاهِدُهُ، وَالْعِلْمُ بِالْمَدْلُولِ بَعْدَ الدَّلِيلِ، أَو رَأَيْت اللهَ فِيهِ بِمَعْنَى ظُهُورِ آثَارِ الصَّانِعِ فِي صَنْعَتِهِ: فَهَذَا صَحِيحٌ.
بَل الْقُرْآنُ كُلُّهُ يُبَيِّنُ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ دِينُ الْمُرْسَلِينَ، وَسَبِيلُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِن النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَهُوَ اعْتِقَادُ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. ٢/ ٤٠١
* * *
(حكم قول: إنَّ مَا ثَمَّ إلَّا اللهُ؟)
٢٥٩ - وسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رضي الله عنه-: عَمَّن يَقُولُ: إنَّ مَا ثَمَّ إلَّا اللهُ؟
فَأَجَابَ - رضي الله عنه -: قَوْلُ الْقَائِلِ مَا ثَمَّ إلَّا اللهُ: لَفْظٌ مُجْمَلٌ، يَحْتَمِلُ مَعْنًى صَحِيحًا وَمَعْنًى بَاطِلًا، فَإِنْ أَرَادَ مَا ثَمَّ خَالِقٌ إلَّا اللهُ، وَلَا رَبٌّ إلَّا اللهُ، وَلَا يُجِيبُ الْمُضْطَرِّينَ وَيَرْزُقُ الْعِبَادَ إلَّا اللهُ .. فَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا صَحِيحَةٌ، وَهِيَ مِن صَرِيحِ التَّوْحِيدِ، وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ.
= وَلقَوْلِهِ: "لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ" وَلَمْ يَقُلْ: لَوَجَدْتني إيَّاهُ.
وَذَلِكَ لِأنَّ الْمُحِبَّ يَتَّفِقُ هُوَ وَمَحْبُوبُهُ بِحَيْثُ يَرْضَا أَحَدُهُمَا بِمَا يَرْضَاهُ الْآخَرُ، وَيَأْمُرُ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيُبْغِضُ مَا يُبْغِضُهُ، وَيَكْرَهُ مَا يَكْرَهُهُ، وَيَنْهَى عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ.
وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَرْضَا الْحَقُّ لِرِضَاهُمْ، وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ، وَالْكَامِلُ الْمُطْلَقُ فِي هَؤُلَاءِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلمَ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِيهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} الفتح: ١٠، وَقَالَ: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} النساء: ٨٠.
وَقَد جَاءَ فِي الْإِنْجِيلِ الَّذِي بِأَيْدِي النَّصَارَى كَلِمَاتٌ مُجْمَلَةٌ إنْ صَحَّ أَنَّ الْمَسِيحَ قَالَهَا فَهَذَا مَعْنَاهَا؛ كَقَوْلِهِ: أنَا وَأَبِي وَاحِدٌ. اهـ. (٢/ ٤٦١ - ٤٦٢)