وَلَو عَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ مُبْتَدِعٌ يَدْعُو إلَى بِدْعَتِهِ، أَو فَاسِقٌ ظَاهِرُ الْفِسْقِ وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ الَّذِي لَا تُمْكِنُ الصَّلَاةُ إلَّا خَلْفَهُ كَإِمَامِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَالْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْحَجِّ بِعَرَفَةَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُصَلِّي خَلْفَهُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد وَالشَّافِعِيِّ وَأبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ.
وَلهَذَا قَالُوا فِي الْعَقَائِدِ: إنَّهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ بَرًّا كَانَ أَو فَاجِرًا، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُن فِي الْقَرْيَةِ إلَّا إمَامٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهَا تُصَلَّى خَلْفَهُ الْجَمَاعَاتُ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ خَيْرٌ مِن صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ وَإِن كَانَ الْإِمَامُ فَاسِقًا.
هَذَا مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ: أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا؛ بَل الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَد.
وَمَن تَرَكَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ الْفَاجِرِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِن أَئِمَّةِ السُّنَّةِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا وَلَا يُعِيدُهَا؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ الْفُجَّارِ وَلَا يُعِيدُونَ.
وَالْفَاسِقُ وَالْمُبْتَدِعُ (١) صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ، فإذَا صَلَّى الْمَأْمُومُ خَلْفَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، لَكِنْ إنَّمَا كَرِهَ مَن كَرِهَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ.
وَمِن ذَلِكَ أَنَّ مَن أَظْهَرَ بِدْعَةٌ أَو فجُورًا لَا يُرَتَّبُ إمَامًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقّ التَعْزِيرَ حَتَّى يَتُوبَ، فَإِذَا أَمْكَنَ هَجْرُهُ حَتَّى يَتُوبَ كَانَ حَسَنًا، وَإِذَا كَانَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ وَصَلَّى خَلْفَ غَيْرِهِ أثَّرَ ذَلِكَ حَتَّى يَتُوبَ أَو يُعْزَلَ أَو يَنْتَهِيَ النَّاسُ عَن مِثْل ذَنْبِهِ: فَمِثْلُ هَذَا إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يَفُتِ الْمَأْمُومَ جُمُعَةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ.
(١) إذا لم تكن بدعتُه مُكفرة.