وَالْقَوْلُ الثالِثُ: أنَّهَا مُنْعَقِدَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، لَكِنْ إنَّمَا يَسْرِي النَّقْصُ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ مِنْهُمَا، فَأَمَّا مَعَ الْعُذْرِ فَلَا يَسْرِي النَّقْصُ، فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَعْتَقِدُ طَهَارَتَهُ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْإِمَامَةِ، وَالْمَأُمُومُ مَعْذُور فِي الِائتِمَامِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا.
وَعَلَيْهِ يَتَنَزَّلُ مَا يُؤْثَرُ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ أَوْسَطُ الْأَقْوَالِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي نَفْسِ صِفَةِ الْإِمَامِ النَّاقِصِ أَنَّ حُكْمَهُ مَعَ الْحَاجَةِ يُخَالِفُ حُكْمَهُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ، فَحُكْمُ صَلَاتِهِ كَحُكْمِ نَفسِهِ.
وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَنْبَنِي اقْتِدَاءُ الْمُؤتَمِّ بِإِمَامٍ قَد تَرَكَ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمَأْمُومُ مِن فَرَائِضِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُتَأَوِّلًا تَأْوِيلًا يَسُوغُ كَأَنْ لَا يَتَوَضَّأَ مِن خُرُوجِ النَّجَاسَاتِ وَلَا مِن مَسِّ الذكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ: مَا أَخْرَجَة الْبُخَارِيُّ فِي "صَحِيحِهِ" عَن أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يُصَلُّونَ لَكُمْ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ، وَإِن أَخْطَؤُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ"، فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَخْطَأَ كَانَ دَركُ خَطَئِهِ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمَأْمُومِينَ. ٢٣/ ٣٧٠ - ٣٧٢
٢٧٤٩ - وَسُئِلَ: عَن رَجُلٍ يَؤُمُّ قَوْمًا وَأَكْثَرُهُم لَهُ كَارِهُونَ؟
فَأَجَابَ: إنْ كَانُوا يَكْرَهُونَ هَذَا الْإِمَامَ لِأَمْرٍ فِي دِينِهِ؛ مِثْل كَذِبِهِ أَو ظُلْمِهِ أَو جَهْلِهِ أَو بِدْعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وُيحِبُّونَ الْآخَرَ لِأَنَّهُ أَصْلَحُ فِي دِينِهِ مِنْهُ؛ مِثْل أَنْ يَكُونَ أَصْدَقَ وَأَعْلَمَ وأدين: فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِم هَذَا الْإِمَامُ الَّذِي يُحِبُّونَهُ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ الْإِمَامِ الَّذِي يَكْرَهُونَهُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ (١). ٢٣/ ٣٧٣
٢٧٥٠ - كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَن بَعْدَهُم مِنْهُم مَن يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ وَمِنْهُم مَن لَا يَقْرَؤُهَا، وَمِنْهُم مَن يَجْهَرُ بِهَا وَمِنْهُم مَن لَا يَجْهَرُ بِهَا، وَكَانَ مِنْهُم مَن
(١) أما إذا كانوا يكرهونه لقيامه بالسُّنَّة، أو لهوى في أنفسهم: فلا يلزمه أن يتركهم.