يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ وَمِنْهُم مَن لَا يَقْنُتُ، وَمِنْهُم مَن يَتَوَضَّأُ مِن الْحِجَامَةِ وَالرُّعَافِ وَالْقَيْءِ وَمِنْهُم مَن لَا يَتَوَضَّأُ مِن ذَلِكَ، وَمِنْهُم مَن يَتَوَضَّأُ مِن مَسِّ الذَّكَرِ وَمَسِّ النِّسَاءِ بِشَهْوَة وَمِنْهُم مَن لَا يَتَوَضَّأُ مِن ذَلِكَ، وَمِنْهُم مَن يَتَوَضَّأُ مِن الْقَهْقَهَةِ فِي صَلَاتِهِ وَمِنْهُم مَن لَا يَتَوَضَّأُ مِن ذَلِكَ، وَمِنْهُم مَن يَتَوَضَّأُ مِن أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ وَمِنْهُم مَن لَا يَتَوَضَّأُ مِن ذَلِكَ.
وَمَعَ هَذَا فَكَانَ بَعْضُهُم يُصَلِّي خَلْفَ بَعْضٍ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لَهَا صُورَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: أَنْ لَا يَعْرِفَ الْمَأْمُومُ أَنَّ إمَامَهُ فَعَلَ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَهُنَا يُصَلِّي الْمَأْمُومُ خَلْفَهُ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ مُتَقَدِّمٌ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فَزَعَمَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْحَنَفِيِّ لَا تَصِحُّ وَإِن أَتَى بِالْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا.
وَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ إلَى أَنْ يُسْتَتَابَ كَمَا يُسْتَتَابُ أَهْلُ الْبِدَعِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى أَنْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِهِ.
وَهَذَا الْقَائِلُ نَفْسُهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا تَقْلِيدُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَلَو طُولِبَ بِأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ إمَامِهِ دُونَ غَيْرِهِ لَعَجَزَ عَن ذَلِكَ؛ وَلهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ مِثْل هَذَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِن أَهْلِ الِاجْتِهَادِ (١).
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَيَقَّنَ الْمَأمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ عِنْدَهُ؛ مِثْل أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ أَو النِّسَاءَ لِشَهْوَة، أَو يَحْتَجِمَ أَو يَفْتَصِدَ أَو يَتَقَيَّأَ ثُمَّ
(١) فأتباع المذاهب المقلّدون لهم لا يُعتد بخلافهم.
قال العلَّامة الشوكاني -رَحِمَهُ اللهُ-: إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْخِلَافِ أَقْوَالُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَهَؤُلَاءِ - أي: أَتْبَاع الْأَئِمَّةِ الْأرْبَعَةِ - هُم مُقَلِّدُونَ، فَلَيْسُوا مِمَن يُعْتبَرُ خِلَافُهُ. اهـ. إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (٢/ ٢٤٤ - ٢٤٥).
وصدق - رَحِمَهُ اللهُ -، فهؤلاء هم مُقلّدة، فكيف يُعتَبر قولُهم؟؟
لكن يُستثنى من ذلك المحققون الذي عُرف عنهم اتباع الدليل ولو خالف المذهب.