خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ يَنْطَلِقُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ" (١). وَاَلَّذِينَ مَنَعُوا ذَلِكَ لَيْسَ لَهُم حُجَّةٌ مُسْتَقِيمَة، فَإِنَّهُم احْتَجُّوا بِلَفْظٍ لَا يَدُلُّ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ؛ كَقَوْلِهِ: "إنمَا جُعِلَ الامَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ" (٢).
وَالِاخْتِلَافُ الْمُرَادُ بِهِ الِاخْتِلَافُ فِي الْأفْعَالِ (٣).
وَمِن هَذَا الْبَابِ: صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ خَلْفَ مَن يُصَلَّي قِيَامَ رَمَضَانَ، يُصَلِّي خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُتِمُّ رَكْعَتَيْنِ، فَأَظْهَرُ الْأقْوَالِ جَوَازُ هَذَا كُلِّهِ، لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِهِمْ ثَانِيًا إلَّا لِحَاجَة أَو مَصْلَحَةٍ؛ مِثْل أَنْ يَكُونَ لَيْسَ هُنَاكَ مَن يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُهُ، أَو هُوَ أَحَقُّ الْحَاضِرِينَ بِالْإِمَامَةِ؛ لِكَوْنِهِ أَعْلَمَهُم بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، أَو كَانُوا مُسْتَوِينَ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ أَسْبَقُهُم إلَى هِجْرَةِ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ، أَو أَقْدَمُهُم سِنًّا.
وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ إذَا صَلَّى عَلَيْهَا الرَّجُلُ إمَامًا ثُمَّ قُدِّمَ آخَرُونَ فَلَهُ أَنْ يُصَلَّيَ بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ إذَا كَانَ أَحَقَّهُم بِالْإِمَامَةِ.
وَلَهُ إذَا صَلَّى غَيْرُهُ عَلَى الْجِنَازَةِ مَرَّةً ثَانِيَةً أَنْ يُعِيدَهَا مَعَهُم تَبَعًا كَمَا يُعِيدُ الْفَرِيضَةَ تبَعًا. ٢٣/ ٣٨٤ - ٣٨٧
٢٧٥٤ - الصحيح (٤) مِن قَوْلِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ؛ لِأَن فِي ذَلِكَ حَدِيثَيْن عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ أَمَرَ الْمُصَلِّيَ خَلْفَ الصَّفِّ بِالْاِعَادَةِ، وَقَالَ: "لَا صَلَاةَ لِفَذًّ خَلْفَ الصَّفِّ" (٥)، وَقَد صَحَّحَ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأسَانِيدُهُمَا مِمَّا تَقُومُ بِهِمَا الْحُجَّةُ.
فَإِذَا كَانَ الْجُمْهُورُ لَا يُصَحِّحُونَ الصَّلَاةَ قُدَّامَ الْإِمَامِ إمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا لِغَيْرِ عُذْرٍ: فَكَيْفَ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِ الِاصْطِفَافِ؟
(١) رواه البخاري (٦١٠٦).
(٢) رواه البخاري (٧٢٢)، ومسلم (٤١٤).
(٣) لا يُراد به اختلافُ النِّيةِ.
(٤) ما بين الْمعقوفتين ليست في الأصل، ولا في النسخ الأخرى! والذي يظهر أن السياق يقتضيها، والمعنى لا يستقيم بدونها.
(٥) صحَّحه الألباني في الإيمان، لابن تيمية (١٢).