فَقِيَاسُ الْأصُولِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الِاصْطِفَافِ، وَأَنَّ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ لَا تَصِحُّ.
وَاَلَّذِينَ عَارَضُوهُ اضجُّوا بِصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَرْأَةِ مُنْفَرِدَةً؛ كَمَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيح" أَنَّ أَنَسًا وَالْيَتِيمَ صفَّا خَلْفَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَصفَّت الْعَجُوزُ خَلْفَهُمَا.
وَقَد اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّةِ وُقُوفِهَا مُنْفَرِدَةً إذَا لَمْ يَكُن فِي الْجَمَاعَةِ امْرَأَةٌ غَيْرَهَا كَمَا جَاءَت بِهِ السُّنَّةُ.
وَهَذِهِ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لَا تُقَاوِمُ حُجَّةَ النَّهْيِ عَن ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِن وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ وُقُوفَ الْمَرْأَةِ خَلْفَ صَفِّ الرِّجَالِ سُنَّةٌ مَأْمُورٌ بِهَا، وَلَو وَقَفَتْ فِي صَفِّ الرِّجَالِ لَكَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا، وَهَل تَبْطُلُ صَلَاةُ مَن يُحَاذِيهَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا وُقُوفُ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَلْفَ الضَفِّ فَمَكْرُوهٌ وَتَرْكٌ لِلسُّنَّةِ بِاتِّفَاقِهِمْ، فَكَيْفَ يُقَاسُ الْمَنْهِيُّ بِالْمَأْمُورِ بِهِ؟
وَكَذَلِكَ وُقُوفُ الْإِمَامِ أَمَامَ الصَّفّ هُوَ السُّنَّةُ، فَكَيْفَ يُقَاسُ الْمَأْمُورُ بِهِ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ؟ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ إنَّمَا هُوَ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ عَلَى الْمَنْصُوصِ، أَمَّا قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى مَنْصُوصٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ بَاطِل بِاتّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ كَقِيَاسِ الرِّبَا عَلَى الْبَيْعِ، وَقَد أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ وَقَفَتْ خَلْفَ الصَّفِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُن لَهَا مَن تُصَافُّهُ، وَلَمْ يُمْكِنْهَا مُصَافَّةَ الرِّجَالِ، وَلهَذَا لَو كَانَ مَعَهَا فِي الصَّلَاةِ امْرَأَةٌ لَكَانَ مِن حَقِّهَا أَنْ تَقُومَ مَعَهَا وَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الرَّجُلِ الْمُنْفَرِدِ عَن صَفّ الرِّجَالِ.
وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ مَوْقِفًا إلا خَلْفَ الصَّفِّ، فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْمُبْطِلِينَ لِصَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ، وَالَأظْهَرُ (١) صِحَّةُ صَلَاتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ.
وَطَرْدُ هَذَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْإِمَامِ لِلْحَاجَةِ. ٢٣/ ٣٩٣ - ٣٩٦
(١) في الأصل: (وإلا ظهر)، ولعل المثبت هو الصواب.