وَالْعِقَابِ، كَانَ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْإِرَادَةِ نَظِيرَ مَا يَلْزَمُهُ فِي الْحُبِّ وَالْمَقْتِ وَالرضى وَالسَّخَطِ. ٣/ ٢٦
٢٦٨ - إِنَّ اللهَ -سبحانه وتعالي- أَخْبَرَنَا عَمَّا فِي الْجَنَّةِ مِن الْمَخْلُوقَاتِ مِن أَصْنَافِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ والمناكح وَالْمَسَاكِنِ، فَأَخْبَرَنَا أنَّ فِيهَا لَبَنا وَعَسَلًا وَخَمْرًا وَمَاءً وَلَحْمًا وَحَرِيرًا وَذَهَبًا وَلمحضَّةَ وَفَاكِهَةً وَحُورًا وَقُصُورًا، وَقَد قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا شَيءٌ مِمَّا فِي الْجَنَّةِ إلَّا الْأسْمَاءَ.
وإِذَا كَانَت تِلْكَ الْحَقَائِقُ الَّتِي أَخْبَرَ اللهُ عَنْهَا هِيَ مُوَافِقَةً فِي الْأسْمَاءِ لِلْحَقَائِقِ الْمَوْجُودَةِ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَتْ مُمَاثِلَةً لَهَا؛ بَل بَيْنَهُمَا مِن التَّبَايُنِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللهُ تَعَالَى: فَالْخَالِقُ -سبحانه وتعالي- أَعْظَمُ مُبَايَنَة لِلْمَخْلُوقَاتِ مِن مُبَايَنَةِ الْمَخْلُوقِ لِلْمَخْلُوقِ.
وَمُبَايَنَتُهُ لِمَخْلُوقَاتِهِ: أَعْظَمُ مِن مُبَايَنَةِ مَوْجُودِ الْاَخِرَةِ لِمَوْجُودِ الدُّنْيَا؛ إذ الْمَخْلُوقُ أَقْرَبُ إلَى الْمَخْلُوقِ الْمُوَافِقِ لَهُ فِي الِاسْمِ مِن الْخَالِقِ إلَى الْمَخْلُوقِ. ٣/ ٢٨
٢٦٩ - إنَّ الرُّوحَ إذَا كَانَت مَوْجُودَةً حَيَّةً عَالِمَةَ قَادِرَةً سَمِيعَة بَصِيرَةً، تَصْعَدُ وَتَنْزِلُ، وَتَذْهَبُ وَتَجِيءُ، وَنَحْو ذَلِكَ مِن الصِّفَاتِ، وَالْعُقُولُ قَاصِرَةٌ عَن تَكْيِيفِهَا وَتَحْدِيدِهَا؛ لِأنَّهُم لَمْ يُشَاهِدُوا لَهَا نَظِيرًا، وَالشَّيْءُ إنَّمَا تُدْرَكُ حَقِيقَتُهُ بِمُشَاهَدَتِهِ أَو مُشَاهَدَةِ نَظِيرِهِ، فَإِذَا كَانَت الرُّوحُ مُتَّصِفَةً بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مَعَ عَدَمِ مُمَاثَلَتِهَا لِمَا يُشَاهَدُ مِن الْمَخْلُوقَاتِ: فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِمُبَايَنَتِهِ لِمَخْلُوقَاتِهِ مَعَ اتِّصَافِهِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِن أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.
وَأَهْلُ الْعُقُولِ هُم أَعْجَزُ عَن أَنْ يَحُدُّوهُ أَو يُكَيِّفُوهُ مِنْهُم عَن أَنْ يَحُدُّوا الرُّوحَ أَو يُكَيِّفُوهَا.
فَإِذَا كَانَ مَن نَفَى صِفَاتِ الرُّوحِ جَاحِدًا مُعَطِّلًا لَهَا، وَمَن مَثَّلَهَا بِمَا يُشَاهِدُهُ مِن الْمَخْلُوقَاتِ جَاهِلًا مُمَثِّلًا لَهَا بِغَيْرِ شَكْلِهَا، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ ثَابِتَةٌ