٢٨٩٤ - الصَّدَقَةُ عَنِ الْمَيِّتِ يَنْتَفِعُ بِهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ .. وَكَذَلِكَ يَنْفَعُهُ الْحَجُّ عَنْهُ، وَالْأُضْحِيَّةُ عَنْهُ، وَالْعِتْقُ عَنْهُ، وَالدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُ، بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ، وَأَمَّا الصِّيَامُ عَنْهُ وَصَلَاةُ التَّطَوُّعِ عَنْهُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْهُ فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا الِاسْتِئْجَارُ لِنَفْسِ الْقِرَاءَةِ وَالْإِهْدَاءِ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ إنَّمَا تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ، وَالْأَذَانِ، وَالْإِمَامَةِ، وَالْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ (١)، فَقِيلَ: يَصِحُّ لِذَلِكَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِن مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.
وَقِيلَ: لَا يَجُوز.
وَقِيلَ: يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا لِلْفَقِيرِ دُونَ الْغَنِيِّ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد، كَمَا أَذِنَ اللهُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَ الْفَقْرِ وَيَسْتَغْنِيَ مَعَ الْغِنَى، وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْوَى مِن غَيْرِهِ.
عَلَى هَذَا: فَإِذَا فَعَلَهَا الْفَقِيرُ للهِ، وَإِنَّمَا أَخَذَ الْأُجْرَةَ لِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ وَليَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ فَاللهُ يَأْجُرُهُ عَلَى نِيَّتِهِ، فَيَكُونُ قَد أَكَلَ طَيِّبًا وَعَمِلَ صَالِحًا.
وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ إلَّا لِأَجْلِ الْعُرُوضِ فَلَا ثَوَابَ لَهُم عَلَى ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَكن فِي ذَلِكَ ثَوابٌ فَلَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ ثَوَابُ الْعَمَلِ لَا نَفْسُ الْعَمَلِ؛ فَإِذَا تَصَدَّقَ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى مَن يَسْتَحِقُّهُ وَصَلَ ذَلِكَ إلَى الْمَيِّتِ وَإِن قَصَدَ بِذَلِكَ مَن يَسْتَعِينُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِهِ كَانَ أَفْضَلَ وَأَحْسَنَ فَإِنَّ إعَانَةَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتِهِ وَتَعْلِيمِهِ مِن أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ.
(١) أي: أنه يستفيد وينتفع من هذا الاستئجار، بخلاف الِاسْتِئْجَار لِنَفْسِ الْقِرَاءَةِ وَالْإِهْدَاءِ، فلا ينتفع منها.