الثَّانِي: أَنَّ الْقَارِنَ عِنْدَهُ لَا يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَالْمُفْرِدِ، وَأَمَّا الْمُتَمَتِّعُ فَقَد اخْتَارَ لَهُ أَنْ يَسْعَى سَعْيَيْنِ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِيهِ سَعْيٌ وَاحِد كَالْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ.
وَحِينَئِذٍ فَيَكونُ قَد تَمَيَّزَ بِسَعْيٍ زَائِدٍ مُسْتَحَبِّ، لَكِنْ هُوَ أَيْضًا يَسْتَحِبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَطُوفَ أَوَّلًا بَعْدَ عَرَفَةَ طَوَافَ الْقُدُومِ، فَيَكُونُ الْمُتَمَتِّعُ قَد طَافَ بَعْدَ عَرَفَةَ مَرَّتَيْنِ وَسَعَى سَعْيًا ثَانِيًا، وَأَمَّا الْقَارِنُ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ مَا يَعْمَلُه الْمُفْرِدُ.
لَكِنْ كُلُّ هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ، وَفِي مَذْهَبِهِ قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّ السَّعْيَ الثَّانِيَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ.
وَقَوْلٌ: أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ ويسْعَى سعيين كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَوْلٌ: أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَا يسْتَحَبُّ لَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ (١)، وَهَذَا هُوَ
الصَّوَابُ (٢)؛ بَل وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ سَعْيٌ ثَانٍ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ حَجُّوا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لمْ يَسْعَوْا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَلَمْ يَخْتَلِفْ كَلَامُ أَحْمَد أَنَّ مَن لَمْ يَسُق الْهَدْيَ وَقَدِمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ لَهُ؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ الَّذِينَ حَجُّوا مَعَهُ جَمِيعَهُم أَنْ يَحِلُّوا مِن إحْرَامِهِمْ وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَن سَاقَ الْهَدْيَ.
وَمَذْهَبُ أَحْمَد أَيْضًا أَنَّهُ إذَا افْرَدَ الْحَجَّ بِسَفْرَةٍ وَالْعُمْرَةَ بِسَفْرَةٍ فَهَذَا الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ لَهُ مِن التَّمَتُّعِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ (٣). ٢٦/ ٣٥ - ٣٧، ٢٦/ ٢٧٦ - ٢٧٧
(١) الذي يكون بعد الوقوف بعرفة، بل يطوف طوات الإفاضة فقط.
وذلك لأنّ المتمتع إنما يلزمه طوافان وسعيان، طواف للعمرة، وطواف للحج، وسعي للعمرة وسعي للحج.
(٢) وقال رَحِمَه الله فِيمَن يَسْتَحِبُّ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الْقُدُومِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِن عَرَفَةَ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ: الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ أنَّهُ لَا يُسْتَحب، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ مِن مَذْهَب أحْمَد. (٢٦/ ٢٧٣)
(٣) والشيخ ذكر الاتفاق على ذلك.