الْمِيقَاتِ بِعُمْرَة، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَ، وَهَذِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَهُمْ، فَقَد تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَل يُكْرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِن عُمْرَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَكَرِهَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ: مِنْهم الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِين وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِي: مَا كَانُوا يَعْتَمِرُونَ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ، مِنْهُم مِن أَهْلِ مَكَّةَ: عَطَاءٌ وطاوس وَعِكْرِمَةُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ الصَّحَابَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَعْتَمِرُ فِي الشَّهْرِ إنْ أَطَقْت مِرَارًا.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَن سُفْيَانَ عَن ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَن بَعْضِ وَلَدِ أَنَسٍ: أَنْ أَنَسًا كَانَ إذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَحَمَّمَ رَأسُهُ خَرَجَ إلَى التَّنْعِيمِ وَاعْتَمَرَ.
وَهَذِهِ -وَاللهُ أَعْلَمُ- هِيَ عُمْرَةُ الْمُحرمِ، فَإِنَّهُم كَانُوا يُقِيمُونَ بِمَكَّةَ (١) إلَى الْمُحَرَّمِ ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُمْرَةَ مِن مَكَّةَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَذَا مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَالْأئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ.
فَصْلٌ
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْإِكْثَارِ مِنَ الِاعْتِمَارِ وَالْمُوَالَاةِ بَيْنَهَا: مِثْل أَنْ يَعْتَمِرَ مَن يَكُونُ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِن الْحَرَمِ كُلَّ يَوْمٍ أَو كُلَّ يَوْمَيْنِ، أَو يَعْتَمِرَ الْقَرِيبُ مِن الْمَوَاقِيتِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ يَوْمَانِ: فِي الشَّهْرِ خَمْسَ عُمَرٍ أَو سِتَّ عُمَرٍ وَنَحْو ذَلِكَ، أو يَعْتَمِرَ مَن يَرَى الْعُمْرَةَ مِن مَكَّةَ كُلَّ يَوْمٍ عُمْرَةً أَو عُمْرَتَيْنِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ، لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِن السَّلَفِ؛ بَل اتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهِيَتِهِ.
وَاَلَّذِينَ رَخَّصُوا فِي أَكْثَرَ مِن عُمْرَةٍ فِي الْحَوْلِ أَكْثَرُ مَا قَالُوا: يَعْتَمِرُ إذَا أَمْكَنَ الْمُوسَى مِن رَأسِهِ أَو فِي شَهْرٍ مَرَّتَيْنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
(١) بعد حجهم.