وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد، قَالَ أَحْمَد: إذَا اعْتَمَرَ فَلَا بُدَّ مِن أَنْ يَحْلِقَ أَو يُقَصِّرَ وَفِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ يُمْكِنُ حَلْقُ الرَّأْسِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد فِعْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الَّذِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ: أنَّه كَانَ إذَا حَمَّمَ رَأْسُهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ.
وَهَذَا لِأَنَّ تَمَامَ النُّسُكِ الْحَلْقُ أَو التَّقْصِيرُ وَهُوَ إمَّا وَاجِبٌ فِيهِ أَو مُسْتَحَبٌّ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ (١) فَنَقُول: فَإِذَا كَانَ قَد تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِن السُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بَل تُكْرَهُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْعُمْرَةِ لِمَن يُحْرِمُ مِن الْمِيقَاتِ، فَمِن الْمَعْلُوم أَنَّ الَّذِي يُوَالِي بَيْنَ الْعُمَرِ مِن مَكَّةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَو غَيْرِهِ أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ، فَإِنَّهُ يَتَّفِقُ فِي ذَلِكَ مَحْذُورَانِ:
أَحَدُهُمَا: كَوْنُ الِاعْتِمَارِ مِن مَكَّةَ، وَقَد اتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ اخْتِيَارِ ذَلِكَ بَدَلَ الطَّوَافِ.
وَالثَّانِي: الْمُوَالَاةُ بَيْنَ الْعُمَرِ، وَهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ؛ بَل يَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ مُطْلَقًا فِيمَا أَعْلَمُ لِمَن لَمْ يَعْتَضْ عَنْهُ بِالطَّوَافِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ، فَكَيْفَ بِمَن قَدَرَ عَلَى أَنْ يَعْتَاضَ عَنْهُ بِالطَّوَافِ؟
بِخِلَافِ كَثْرَةِ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مَأْمُورٌ بِهِ لَا سِيَّمَا لِلْقَادِمِينَ، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُم بِالْبَيْتِ أَفْضَلُ لَهُم مِن الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَعَ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَأَمَّا الِاعْتِمَارُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ" عَن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِامْرَأَةٍ مِن الْأَنْصَارِ: مَا مَنَعَك أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ فَقَالَتْ: لَمْ يَكُن لَنَا إلَّا نَاضِحَانِ فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا عَلَى نَاضِحٍ وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا
(١) وهي كَثْرَةُ الِاعْتِمَارِ لِلْمَكِّيِّ.