٣٢٥٤ - فَسْخُ الْحَجِّ إلَى التَّمَتُّعِ: مُوَافِقٌ لِقِيَاسِ الْأصُولِ لَا مُخَالِفٌ لَهُ، فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إذَا الْتَزَمَ أَكْثَرَ مِمَا لَزِمَهُ جَازَ بِاتِّفَاقِ الْأئِمَّةِ، فَلَو أَحْرَمَ بِالْغمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجِّ جَازَ بِلَا نِزَاعٍ.
وَأَمَّا إذَا أحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد وَمَالِكٍ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ (١).
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ: فَالْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْحَجّ، فَإِذَا صَارَ مُتَمَتِّعًا صَارَ مُلْتَزِمًا لِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ، فَكانَ مَا الْتَزَمَهُ بِالْفَسْخِ أكْثَرَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَجَازَ ذَلِكَ وَهُوَ أَفْضَلُ.
وَإِنَّمَا يشْكلُ هَذَا عَلَى مَن يَظُنُّ أَنَّهُ فَسَخَ حَجًّا إلَى عُمْرَةِ مُجَرَّدَ؛ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَو أَرَادَ أنْ يَفْسَخَ الْحَجَّ إلَى الْعُمْرَةِ مُفْرَدَةً لَمْ يَجُزْ بِلَا نِزَاعٍ، وَإِنَّمَا الْفَسْخُ جَائِزٌ لِمَن كَانَ نِيَّتَهُ أنْ يَحُجَّ بَعْدَ الْعُمْرَةِ.
وَقَد قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ مِن حِينِ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ دَخَلَ فِي الْحَجِّ، كَمَا قَالَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "دَخَلَت الْعُمْرَةُ في الْحَجِّ" (٢)، وَلهَذَا يَجُوزُ أنْ يَصومَ الْأيَّامَ الثَّلَاثَةَ (٣) مِن حِينَئذٍ، وَإِنَّمَا إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ بَعْدَ ذَلِكَ. ٢٦/ ٥٧ - ٥٨
٣٢٥٥ - مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ وَكَثِيرٍ مِن الظَّاهِريَّةِ وَالشِّيعَةِ: يَرَوْنَ أَنَّ الْفَسْخَ وَاجِبٌ (٤)، وَأَنَهُ لَيْسَ لِأحَد أَنْ يَحُجَّ إلَّا مُتَمَتِّعًا.
وَمَذْهَبُ كَثِيرِ مِن السَّلَفِ وَالْخَلَفِ انَّهُ وَإِن جَازَ التَّمَتُّعُ فَلَيْسَ لِمَن أَحْرَمَ مُفْرِدًا أو قَارِنًا أنْ يَفْسَخَ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَمَذْهَبُ كَثِيرٍ مِن فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ: كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَ الْفَسْخَ هُوَ الْأَفْضَلُ، وَأنَّهُ إنْ حَجَّ مُفْرِدًا أَو قَارِنًا وَلَمْ يَفْسَخْ جَازَ.
(١) وهو الذي رجحه الشيغ كما سيأتي.
(٢) أخرجه مسلم (١٢١٨).
(٣) في حقّ من لم يجد الهدي، قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ}.
(٤) وهو اختيار العلَّامة ابن القيِّم رحمه الله، وقد خالف في ذلك شيخه.