كَانَ يَتَكَلَّمُ فِي كَيْدِ فُلَانٍ، وَنَحْو هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي فِيهَا مَذَمَّةٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَالْإِخْوَانِ.
فَإِنِّي لَا أُسَامِحُ مَن آذَاهُم مِن هَذَا الْبَابِ (١).
وَتَعْلَمُونَ أَيْضًا: أَنَّ مَا يَجْرِي مِن نَوْعِ تَغْلِيظٍ أَو تَخْشِينٍ عَلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَالْإِخْوَانِ، مَا كَانَ يَجْرِي بِدِمَشْقَ، وَمِمَّا جَرَى الْآنَ بِمِصْر: فَلَيْسَ ذَلِكَ غَضَاضَةً وَلَا نَقْصًا فِي حَق صَاحِبِهِ، وَلَا حَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَغَيُّر مِنَّا وَلَا بُغْضٌ؛ بَل هُوَ بَعْدَ مَا عُومِلَ بِهِ مِن التَّغْلِيظِ وَالتَّخْشِينِ أَرْفَعُ قَدْرًا، وَأَنْبَهُ ذِكْرًا، وَأَحَبُّ وَأَعْظَمُ.
وَإِنَّمَا هَذِهِ الْأُمُورُ هِيَ مِن مَصَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي يُصْلِحُ اللهُ بهَا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْيَدَيْنِ، تَغْسِلُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى، وَقَد لَا يَنْقَلِعُ الْوَسَخُ إلَّا بِنَوْع مِن الْخُشُونَةِ، لَكِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ مِن النَّظَافَةِ وَالنّعُومَةِ مَا نَحْمَدُ مَعَهُ ذَلِكَ التَّخْشِين.
وَتَعْلَمونَ -رَضِيَ اللهُ عَنْكُمْ-: أَنَّ مَا دُونَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مِن الْحَوَادِثِ يَقَعُ فِيهَا مِن اجْتِهَادِ الْآرَاءِ وَاخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ وَتَنَوُّعِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ -مِن نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ- مَا لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعْرَى عَنْهُ نَوْعُ الْإِنْسَانِ.
فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُنْتَصَرَ مِن أَحَدٍ بِسَبَبِ كَذِبِهِ عَلَيَّ، أَو ظُلْمِهِ وَعُدْوَانِهِ، فَإِنِّي قَد أَحْلَلْت كُلَّ مُسْلِمٍ.
وَأَنَا أُحِبُّ الْخَيْرَ لِكُلّ الْمُسْلِمِينَ، وَأُرِيدُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِن الْخَيْرِ مَا أُحِبُّهُ لِنَفْسِي.
وَاَلَّذِينَ كَذَبُوا وَظَلَمُوا فَهُم فِي حِلٍّ مِن جِهَتِي.
(١) فهو رحمه الله لا يُسامح من يُعاتب المخطئ من أصحابه، ويُسامح المخطئ ويعفو عنه، وكان رحمه الله قد يقسو مع أحدهم للمصلحة الراجحة، لكنه لا يتردد في طلب المسامحة منهم، ويُبين لهم أنّ العتب والقسوة لا تتجاوز اللسان، وأما القلب فهو موفورٌ بالمحبة والإكرام لهم.