وَمَن طَرَدَ الْقِيَاسَ الَّذِي انْعَقَدَ فِي نَفْسِهِ، غَيْرَ نَاظِرٍ إلَى مَا يُعَارِضُ عِلَّتَهُ مِن الْمَانِعِ الرَّاجِحِ: أَفْسَدَ كَثِيرًا مِن أَمْرِ الدّينِ وَضَاقَ عَلَيْهِ عَقْلُهُ وَدِينُهُ (١). ٢٩/ ٥٠ - ٥١
٣٥٩٢ - دَلَّ الْكِتَابُ فِى قَوْله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} البقرة: ٢٣٦ وَالسُّنَّةُ فِي حَدِيثِ بروع بِنْتِ وَاشِقٍ، وَإِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ: عَلَى جَوَازِ عَقْدِ النِّكَاحِ بِدُونِ فَرْضِ الصَّدَاقِ، وَتَسْتَحِقُّ مَهْرَ الْمِثْل إذَا دَخَلَ بِهَا بِإِجْمَاعِهِمْ وَإِذَا مَاتَ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ الْمُتَّبِعِينَ لِحَدِيثِ بروع بِنْتِ وَاشِقٍ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَهْرَ الْمِثْل مُتَقَارِبٌ لَا مَحْدُودٌ، فَلَو كَانَ التَّحْدِيدُ مُعْتَبَرًا فِي الْمَهْرِ مَا جَازَ النِّكاحُ بِدُونِهِ.
فَظَهَرَ بِهَذِهِ النُّصُوصِ أَنَّ الْعِوَضَ عَمَّا لَيْسَ بِمَال -كَالصَّدَاقِ، وَالْكتَابَةِ، وَالْفِدْيَةِ فِي الْخُلْعِ، وَالصُّلْحِ عَن الْقِصَاصِ، وَالْجِزْيَةِ، وَالصُّلْحِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ-: لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ يُعْلَمَ الثَّمَن وَالْأُجْرَة.
وَلَا يُقَاسُ عَلَى بَيْعِ الْغَرَرِ كُلُّ عَقْدٍ عَلَى غَرَرٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ إمَّا أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ، أَو لَيْسَتْ هِيَ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْهَا.
وَمَا لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ إذَا وَقَعَ فِيهِ غَرَرٌ لَمْ يُفْضِ إلَى الْمَفْسَدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَيْعِ؛ بَل يَكُونُ إيجَابُ التَّحْدِيدِ فِي ذَلِكَ فِيهِ مِن الْعُسْرِ وَالْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ شَرْعًا مَا يَزِيد عَلَى ضَرَرِ تَرْكِ تَحْدِيدِهِ. ٢٩/ ٤٣ - ٥٥
* * *
(١) قاعدة عظيمة النفع، وهي أصلٌ من أصول الدين، ولا يستغني عنها الفقيه والمفتي.