(النهي عن الْجَمْع بَيْنَ السَّلَفِ وَالْبَيْعِ، والقرض الذي يجرُّ نفعًا، وحكم بيع الأمانة)
٣٥٩٣ - رَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرُو أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنُ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك". رَوَاهُ الْأَئِمَةُ الْخَمْسَةُ (١): أَحْمَد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِي وَالتِّرْمِذِي وَابْنُ مَاجَه، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
فَنَهَى -صلى الله عليه وسلم- عَن أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ سَلَفٍ وَبَيْعٍ، فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ سَلَفٍ وَإِجَارَةٍ فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ سَلَفٍ وَبَيْعٍ أَو مِثْله.
وَكُلُّ تَبَرُّعٍ يَجْمَعُهُ إلَى الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ مِثْل: الْهِبَةِ وَالْعَارِيَة وَالْعُرْيَةِ وَالْمُحَابَاةِ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: هِيَ مِثْلُ الْقَرْضِ.
فَجِمَاعُ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ مُعَاوَضَةٍ وَتبَرُّعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّبَرُّعَ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ الْمُعَاوَضَةِ لَا تَبَرُّعًا مُطْلَقًا، فَيَصِيرُ جُزْءًا مِن الْعِوَضِ.
فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ: جَمَعَا بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ؛ فَإِنَّ مَن أَقْرَضَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَبَاعَهُ سِلْعَةً تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ بِأَلْف: لَمْ يَرْضَ بِالْإِقْرَاضِ إلَّا بِالثَّمَنِ الزَّائِدِ لِلسِّلْعَةِ، وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَرْضَ بِبَذْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ الزَّائِدِ إلَّا لِأَجْلِ الْأَلْفِ الَّتِي اقْتَرَضَهَا، فَلَا هَذَا بَاعَ بَيْعًا بِأَلْف، وَلَا هَذَا أَقْرَضَ قَرضًا مَحْضًا؛ بَل الْحَقِيقَةُ: أَنَّهُ أَعْطَاهُ الْأَلْفَ وَالسِّلْعَةَ بِأَلْفَيْنِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ: "مُدِّ عَجْوَةٍ"، فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ أَخْذَ أَلْفٍ بِأَكْثَرَ مِن أَلْفٍ: حَرُمَ بِلَا تَرَدُّدٍ، وَإِلَّا خَرَجَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ. ٢٩/ ٦٢ - ٦٣
٣٥٩٤ - وَسُئِلَ: عَن رَجُلٍ اشْتَرَى مِن رَجُلٍ دَارًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَجَّرَ الْبَائِعَ الدَّارَ مُدَّةً مِن الشُّهُورِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ
(١) أبو داود (٣٥٥٤)، والترمذي (١٢٣٤)، والنسائي (٤٦١١)، وأحمد (٦٦٧١)، وابن ماجه (٢١٨٨).