وَلَمْ يُجَوِّزْهَا الشَّافِعِيِّ.
وَالْجُمْهُورُ يُخَالِفُونَهُ فِي هَذَا وَيقُولُونَ: الشَّرِكَةُ نَوْعَانِ:
أ- شَرِكَةُ أَمْلَاكٍ (١).
ب- وشَرِكةُ عُقُودٍ (٢).
وَشَرِكةُ الْعُقُودِ أَصْلًا لَا تَفْتَقِرُ إلَى شَرِكَةِ الْأمْلَاكِ، كَمَا أَنَّ شَرِكَةَ الْأمْلَاكِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى شَرِكَةِ الْعُقُودِ وَإِن كَانَا قَد يَجْتَمِعَانِ.
وَالْمُضَارَبَةُ شَرِكَةُ عُقُودٍ بِالْإِجْمَاعِ لَيْسَتْ شَرِكَةَ أَمْلَاكٍ؛ إذ الْمَالُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَمَل لِلْآخَرِ، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَإِن كَانَ مِن الْفُقَهَاءِ مَن يَزْعُمُ أَنَّهَا مِن بَابِ الْإِجَارَةِ، وَأَنَّهَا خِلَافُ الْقِيَاسِ.
فَالصَّوَابُ أَنَّهَا أَصْل مُسْتَقِلُّ، وَهِيَ مِن بَابِ الْمُشَارَكَةِ لَا مِن بَابِ الْإِجَارَةِ الْخَاصَّةِ وَهِيَ عَلَى وَفْقِ قِيَاسِ الْمُشَارَكَاتِ.
وَلَمَّا كَانَ مَبْنَى الشَّرِكَةِ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ تَنَازَعُوا فِي الشَّرِكَةِ فِي اكْتِسَابِ الْمُبَاحَاتِ؛ بِنَاءَ عَلَى جَوَازِ التَّوَكُّلِ فِيهَا، فَجَوَّزَ ذَلِكَ أَحْمَد، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَد يُقَالُ: هَذِهِ مِن النَّوْعِ الثَّانِي إذَا تَشَارَكَا فِيمَا يُؤَجِّرَانِ فِيهِ أَبْدَانَهُمَا وَدَابّتَيْهِمَا: إجَارَةَ خَاصَّةً، فَفِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ قَوْلَانِ مَرْوِيَّانِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ، لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَن يُجَوِّز شَرِكَةَ الْعِنَانِ مَعَ عَدَمِ اخْتِلَاطِ الْمَالَيْنِ وَمَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ، وَقَد قَالَ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة: ١.
وَأَمَّا اشْتِرَاكُ الشُّهُودِ: فَقَد يُقَالُ: مِن مَسْأَلَةِ "شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ" الَّتِي تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا؛ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا يَصِحُّ التَّوَكُّلُ فِيهَا، حَتَّى يَكُونَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مُتَصَرِّفًا لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَلشَرِيكِهِ بِحُكْمِ الْوِكَالَةِ، وَالْعِوَضُ فِي الشَّهَادَةِ مِن بَابِ الْجَعَالَة لَا مِن بَابِ الْإِجَارَةِ اللَّازِمَةِ.
(١) وهِيَ اجتماعٌ فِي اسْتِحقَاقٍ.
(٢) وهِيَ اجتماعٌ فِي تَصَرُّفٍ.