وَالْمَنْصِبُ وَالْوِلَايَةُ لَا يَجْعَلُ مَن لَيْسَ عَالِمًا مُجْتَهِدًا عَالِمًا مُجْتَهِدًا.
وَلَو كَانَ الْكَلَامُ فِي الْعِلْمِ وَالدّينِ بِالْوِلَايَةِ وَالْمَنْصِبِ: لَكَانَ الْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ أَحَقَ بِالْكَلَامِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَبِانْ يَسْتَفْتيَهُ النَّاسُ ويَرْجِعُوا إلَيْهِ فِيمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِم فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ.
فَإِذَا كَانَ الْخَلِيفَةُ وَالسُّلْطَانُ لَا يَدَّعِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلَا يَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْل دُونَ قَوْلٍ إلَّا بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ: فَمَن هُوَ دُونَ السُّلْطَانِ فِي الْوِلَايَةِ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَتَعَدَّى طُورَهُ.
فَكلُّ مَن كَانَ أَعْلَمَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْكَلَامِ فِيهَا مِن غَيْرِهِ وَإِن لَمْ يَكُن حَاكِمًا، وَالْحَاكِمُ لَيْسَ لَهُ فِيهَا كَلَامٌ لِكَوْنِهِ حَاكِمًا؛ بَل إنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ تكَلَّمَ فِيهَا كَآحَادِ الْعُلَمَاءِ. ٢٧/ ٢٩٦ - ٢٩٧
٣٨٠٣ - وَسُئِلَ رحمه الله: عَمَّن وَليَ أَمْرًا مِن أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَمَذْهَبُهُ لَا يُجَوِّزُ "شَرِكَةَ الْأبْدَانِ" فَهَل يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ النَّاسِ؟
فَأَجَابَ: لَيْسَ لَهُ مَنْعُ النَاسِ مِن مِثْل ذَلِكَ وَلَا مِن نَظَائِرِهِ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَلَيْسَ مَعَهُ بِالْمَنْعِ نَصٌّ مِن كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا مَا هُوَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، لَا سِيَّمَا وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ مِثْل ذَلِكَ، وَهُوَ مِمَّا يَعْمَلُ بِهِ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي عَامَّةِ الْأمْصَارِ.
وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْحَاكِمَ لَيْسَ لَهُ أنْ يَنْقُضَ حُكْمَ غَيْرِهِ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَلَا لِلْعَالِمِ وَالْمُفْتِي أَنْ يُلْزِمَ النَّاسَ بِاتِّباعِهِ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَسَائِلِ.
وَلهَذَا لَمَّا اسْتَشَار الرَّشِيدُ مَالِكًا أنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مُوَطَّئِهِ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَنَعَهُ مِن ذَلِكَ، وَقَالَ: إنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تَفَرَّقُوا فِي الْأمْصَارِ، وَقَد أَخَذَ كُلُّ قَوْمٍ مِن الْعِلْمِ مَا بَلَغَهُمْ.
وَصَنَّفَ رَجُلٌ كِتَابًا فِي الِاخْتِلَافِ فَقَالَ أَحْمَد: لَا تُسَمِّهِ "كِتَابَ