ب- أَو لَا يَعْتَقِدُ الْفَسَادَ.
فَالْأَوَّلُ: يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ؛ حَيْثُ قَبَضَ مَا يَعْلَمُ أَّنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، لَكِنَّهُ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ وَكَوْنِ الْقَبْض عَن التَّرَاضِي: هَل يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ أَو لَا يَمْلِكُهُ؟ (١).
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَاقِدُ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ الْعَقْدِ: مِثْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا يَتَعَاقَدُونَ بَيْنَهُم مِن الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ؛ مِثْلُ بَيْعِ الْخَمْرِ وَالرِّبَا وَالْخِنْزِيرِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَالتَّحَاكُمِ إلَيْنَا أُمْضِيَتْ لَهُم وَيَمْلِكُونَ مَا قَبَضُوهُ بِهَا بِلَا نِزَاعٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨)} البقرة: ٢٧٨ فَأَمَرَ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ.
وَإِن أَسْلَمُوا أَو تَحَاكَمُوا قَبْلَ الْقَبْضِ: فُسِخَ الْعَقْدُ وَوَجَبَ رَدُّ الْمَالِ إنْ كَانَ بَاقِيًا، أَو بَدَلُهُ إنْ كَانَ فَائِتًا.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨)} البقرة: ٢٧٨-إلَى قَوْلِهِ- {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} البقرة: ٢٧٩ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِرَدِّ مَا بَقِيَ مِن الرِّبَا فِي الذِّمَمِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِرَدِّ مَا قَبَضُوهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَجَعَلَ لَهُم مَعَ مَا قَبَضُوهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ: رُءُوسَ الْأَمْوَالِ.
فَعُلِمَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِهَذَا الْعَقْدِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ يَمْلِكُهُ صَاحِبُهُ.
أَمَّا إذَا طَرَأَ الْإِسْلَامُ وَبَيْنَهُمَا عَقْدُ رِبًا فَيَنْفَسِخُ، وَإِذَا انْفَسَخَ مِن حِينِ الْإِسْلَامِ اسْتَحَقَّ صَاحِبُهُ مَا أَعْطَاهُ مِن رَأسِ الْمَالِ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الزِّيَادَةَ الرِّبَوِيَّةَ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ.
وَهَكَذَا كُلُّ عَقْدٍ اعْتَقَدَ الْمُسْلِمُ صِحَّتَهُ بِتَأْوِيلٍ مِن اجْتِهَادٍ أَو تَقْرِيرٍ؛ مِثْلُ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ الَّتِي يُبِيحُهَا مُجَوِّزُو الْحِيَلِ.
(١) سبق في الفقرة السابقة أن الشيخ رجح أنّ الإنسان إذا عقد عقدًا فاسدًا أنه يملكه بالقبض.