عَنْهُ شُبْهَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَعَلِمَ صِحَّةَ مَا تَقُولُهُ الْعُلَمَاءُ فِي دَلَالَاتِ الْخِطَابِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي -فِي أَصْلِ الْمَسْأْلَةِ أنَّ قَوْلَه-: عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ: مُقْتَضٍ لِلتَّرْتِيبِ، وَهُوَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَوْلَادِ الْأوْلَادِ بَعْدَ الْأَوْلَادِ، وَهُنَا جَمْعَانِ، أَحَدُهُمَا مُرَتَّبٌ عَلَى الْآخَرِ، وَالْأَحْكَامُ الْمُرَتَّبَةُ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْعَامَّةِ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَثْبُتُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِن أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعَامِّ، سَوَاءٌ قُدِّرَ وُجُودُ الْفَرْدِ الْآخَرِ أَو عَدَمُهُ.
وَالثَّانِي: مَا يَثْبُتُ لِمَجْمُوعِ تِلْكَ الْأَفْرَادِ، فَيَكُونُ وُجُودُ كُلٍّ مِنْهَا شَرْطًا فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ لِلْآخَرِ.
مِثَالُ الْأَوَّلِ: قَوْله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} البقرة: ٢١.
وَمِثَالُ الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} آل عمران: ١١٠، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} فَإِنَّ الْخَلْقَ ثَابِث لِكلِّ وَاحِدٍ مَن النَّاسِ، وَكُلًّا مِنْهُم مُخَاطَبٌ بِالْعِبَادَةِ وَالطَّهَارَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مَن الْأُمَّةِ أُمَّةً وَسَطًا، وَلَا خَيْرَ أُمَّةٍ.
فَقَوْلُ الْوَاقِفِ: عَلَى أوْلَاد، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ: قَد اقْتَضَى تَرْتِيبَ أَحَدِ العمومين عَلَى الْاَخَرِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ أَن الْعُمُومَ الثَّانِيَ بِمَجْمُوعِهِ مُرَتَّبٌ عَلَى مَجْمُوعِ الْعُمُومِ الْأوَّلِ، وَعَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِن أَفْرَادِهِ، فَلَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِن هَذَا الْعُمُومِ الثَّانِي فِي الْوَقْفِ حَتَّى يَنْقَضِيَ جَمِيعُ أَفْرَادِ الْعُمُومِ الْأَوَّلِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ تَرْتِيبًا يُوَزعُّ فِيهِ الْأَفْرَاد عَلَى الْأَفْرَادِ، فَيَكونُ كُلُّ فَرْدٍ مِن أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دَاخِلًا عِنْدَ عَدَمِ وَالِدِهِ، لَا عِنْدَ عَدَمِ وَالِدِ غَيْرِهِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} البقرة: ٢٣٣.