نَذْكُرُ مِنْهَا ثَلَاثَةً (١):
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، مُقَيَّدٌ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ وَهِيَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ مَن تُوُفِّيَ مِنْهُم عَن غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى ذَوِي طَبَقَتِهِ.
وَكُلُّ كَلَامٍ اتَّصَلَ بِمَا يُقَيِّدُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ دُونَ إطْلَاقِهِ أَوَّلَ الْكَلَامِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَن سَمِعَ هَذَا الْكَلَامَ مِن أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ خَاصَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ لَمْ يَفْهَمُوا مِنْهُ إلَّا إعْطَاءَ أَهْلِ طَبَقَةِ الْمُتَوَفَّى بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُتَوَفَّى وَلَدٌ، وَيَعْقِلُونَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ.
وَكَثِيرًا مَا قَد يَغْلَطُ بَعْضُ الْمُتَطَرِّفِينَ (٢) مِن الْفُقَهَاءِ فِي مِثْل هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَن شَرْطِ وَاقِفٍ أَو يَمِينِ حَالِفٍ وَنَحْو ذَلِكَ: فَيَرَى أَوَّلَ الْكَلَامِ مُطْلَقًا أَو عَامًّا وَقَد قَيَّدَ فِي آخِرِهِ، فَتَارَةً يَجْعَلُ هَذَا مِن بَابِ تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِمَا بِالْأَحْكَامِ الْمَعْرُوفَةِ لِلدَّلَائِلِ الْمُتَعَارِضَةِ مِن التَّكَافُؤِ وَالتَّرْجِيحِ.
وَتَارَةً يَرَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُتَنَاقِضٌ؛ لِاخْتِلَافِ آخِرِهِ وَأَوَّلهِ.
وَتَارَةً يَتَلَدَّدُ تَلَدُّدَ الْمُتَحَيِّرِ.
وَرُبَّمَا قَالَ: هَذَا غَلَطٌ مِن الْكَاتِبِ.
وَكُلُّ هَذَا مَنْشَؤُهُ مِن عَدَمِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ وَالْكَلَامِ الْمُنْفَصِلِ.
وَمَن عَلِمَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ أَوَّلِ كَلَامِهِ حَتَّى يَسْكُتَ سُكُوتًا قَاطِعًا، وَأَنَّ الْكَاتِبَ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ كِتَابِهِ حَتَّى يَفْرَغَ فَرَاغًا قَاطِعًا: زَالَتْ
= وَالْكَلَامَ الثَّاني قَد خَصَّ أحَدَ النَّوْعَيْنِ بِالذِّكْرِ، فَيَكُونُ مِن بَاب تَعَارُضِ الْعُمُوم وَالْمَفْهُومِ ..
(١) أكتفي بوجهين منها.
(٢) التطرف مصطلحٌ قديم، ولا يقتصر على التطرف العقدي، بل يشمل التطرف الفكري والفقهي وغير ذلك. فكل من غلا في شيء فهو متطرف فيما غلا فيه.