قَالَ أَحْمَد فِي رِوَايَةِ أبِي طَالِبِ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْأُضْحِيَّةَ يُسَمِّنُهَا لِلْأَضْحَى: يُبَدِّلُهَا بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا، لَا يُبَدِّلُهَا بِمَا هُوَ دُونَهَا.
فَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ أبْدَلَهَا بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا يَبِيعُهَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَصْلٌ
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ (١) وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا: مَا ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (٢) عَن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنهُ قَالَ: "لَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْت الْكَعْبَةَ وَلَأَلْصَقْتهَا بِالْأَرْضِ وَلَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ: بَابًا يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ".
وَمَعْلُومٌ أنَّ الْكَعْبَةَ أَفْضَلُ وَقْفٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَو كَانَ تَغْييرُهَا وَإِبْدَالُهَا بِمَا وَصَفَهُ -صلى الله عليه وسلم- وَاجِبَا لَمْ يَتْرُكْهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا، وَأَنَّهُ كَانَ أَصْلَحَ لَوْلَا مَا ذَكَرَهُ مِن حَدَثَانِ عَهْدِ قُرَيْشٍ بِالْإِسْلَامِ.
وَهَذَا فِيهِ تَبْدِيلُ بِنَائِهَا بِبِنَاءٍ آخَرَ.
فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَبْدِيلُ التَّأْليفِ بِتَأْلِيف آخَرَ هُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْإِبْدَالِ.
وَأَيْضًا: فَقَد ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ غَيَّرَا بِنَاءَ مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَمَّا عُمَر فَبَنَاهُ بِنَظِيرِ بِنَائِهِ الْأوَّلِ بِاللَّبَنِ وَالْجُذُوعِ، وَأمَّا عُثْمَان فَبَنَاة بِمَادَّةِ أَعْلَى مِن تِلْكَ كَالسَّاجِ (٣).
وَبِكُلِّ حَالٍ فَاللَّبِن وَالْجُذُوعُ الَّتِي كَانَت وَقْفًا أَبْدَلَهَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بِغَيْرِهَا.
وَهَذَا مِن أَعْظَمِ مَا يَشْتَهِرُ مِن الْقَضَايَا وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ.
(١) أي: على إبْدَالِ الْوَقْفِ وتغييرِه بما هو أصلح منه.
(٢) البخاري (١٢٦)، ومسلم (١٣٣٣).
(٣) الساج: هو نوع من الخشب يؤتى به من الهند.