وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إبْدَالِ الْبِنَاءِ بِبِنَاء، وَإِبْدَالِ الْعَرْصَةِ بِعَرْصَة (١): إذَا اقْتَضَت الْمَصْلَحَةُ ذَلِكَ؛ وَلهَذَا أَبْدَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَسْجِدَ الْكُوفَةِ بِمَسْجِدٍ آخَرَ، أَبْدَلَ نَفْسَ الْعَرْصَةِ وَصَارَت الْعَرْصَةُ الْأُولَى سُوقًا لِلتَّمَارِينِ.
فَصَارَت الْعَرْصَةُ سُوقًا بَعْدَ أَنْ كَانَت مَسْجِدًا.
وَهَذَا أَبْلَغُ مَا يَكُونُ فِي إبْدَالِ الْوَقْفِ لِلْمَصْلَحَةِ.
وَأَيْضًا: فَقَد ثَبَتَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ جَؤزَ إبْدَالَ الْمَنْذُورِ بِخَيْرٍ مِنْهُ، فَفِي الْمُسْنَدِ: "مُسْنَدِ أَحْمَد" (٢)، وَ "سُنَنِ أَبِي دَاوُد" (٣). عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَنَّ رَجُلٌ قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: إنِّي نَذَرْت إنْ فَتَحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْك مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِس، قَالَ: "صَلِّ هَاهُنَا"، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: صَلِّ هَاهُنَا، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ قَالَ: "فَشَأْنُك إذًا" (٤).
وَهَذَا مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
ثُمَّ إنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ أَن الْبَدَلَ الْأَفْضَلَ يَقُومُ مَقَامَ هَذَا، وَالْأُضْحِيَّةُ وَالْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ وُجُوبُهُ مِن جِنْسِ وُجُوبِ النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ.
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَن إبْدَالَهُ بِخَيْر مِنْهُ أَفْضَلُ مِن ذَبْحِهِ بِعَيْنِهِ؛ كَالْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ فِي الذِّمَّةِ؛ كَمَا لَو وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَأَدَّى بِنْتَ لَبُونٍ، أَو وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ لَبُونٍ فَأَدَّى حِقَّةً.
وَعَلَى هَذَا: فَلَو نَذَرَ أَنْ يَقِفَ شَيْئًا فَوَقَفَ خَيْرًا مِنْهُ: كَانَ أَفْضَلَ.
فَلَو نَذَرَ أنْ يَبْنِيَ للهِ مَسْجِدًا وَصَفَهُ، أَو يَقِفَ وَقْفًا وَصَفَهُ، فَبَنَى مَسْجِدًا خَيْرًا مِنْهُ، وَوَقَفَ وَقْفَا خَيْرًا مِنْهُ: كَانَ أَفْضَلَ.
(١) العَرْصَة: هِيَ كلُّ موضِعٍ وَاسِعٍ لَا بِناء فِيهِ. يُنظر: النهاية في غريب الحديث، مادة: (عَرَصَ).
(٢) (١٤٩١٩).
(٣) (٣٣٠٥).
(٤) صحَّحه الألباني في إرواء الغليل (٢٥٩٧).