٤١٥١ - تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي هِبَةِ الْمَجْهُولِ: فَجَوَّزَهُ مَالِك حَتَّى جَوَّزَ أَنْ يَهَبَ غَيْرَهُ مَا وَرِثَهُ مِن فُلَانٍ، وَإِن لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَهُ، وَإِن لَمْ يَعْلَمْ أَثُلُثٌ هُوَ أَمْ رُبُعٌ.
وَلَمْ يُجَوِّزْ ذَلِكَ الشَّافِعِيّ.
وَكَذَلِكَ الْمَعْرُوفُ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأحْمَد الْمَنْعُ مِن ذَلِكَ، لَكِنَ أَحْمَد وَغَيْرَهُ يُجَوِّزُ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْمَجْهُولِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ مَا لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجَوِّزُ مِن ذَلِكَ مَا لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّ الشَّافِعِيِّ يَشْتَرِطُ الْعِلْمَ بِمِقْدَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْعُقُودِ.
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي هَذَا أَرْجَحُ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَصْل آخَرَ وَهُوَ: أنَّ عُقُودَ الْمُعَاوَضَةِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ: تَلْزَمُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَالْقَبْضُ مُوجَبُ الْعَقْدِ وَمُقْتَضَاهُ، لَيْسَ شَرْطًا فِي لُزُومِهِ.
وَالتَّبَرُّعَاتُ؛ كَالْهِبَةِ وَالْعَارِيةِ: فَمَذْهَبُ أبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أنَهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ.
وَفِي مَذهَبِ أَحْمَد نِزَاعٌ؛ كَالنِّزَاعِ فِي الْمُعَيَّنِ: هَل يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ أَمْ لَا بُدَّ مِن الْقَبْضِ؟ وَفِيهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ.
وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ صُوَرِ الْعَارِيةِ.
وَمَا زَالَ السَّلَفُ يُعِيرُونَ الشَّجَرَةَ، وَيَمْنَحُونَ المنايح، وَكَذَلِكَ هِبَةُ الثَّمَرِ وَاللَّبَنِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ لَازِمًا، وَلَكِنْ هَذَا يُشْبِهُ الْعَارَيةَ؛ لِأنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ يَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ كَالْمَنْفَعَةِ. ٣١/ ٢٧٠ - ٢٧١
* * *