(حكم مَن أَهْدَى هَدِيَّةً لِوَلِيِّ أَمْرٍ لِيَفْعَلَ مَعَهُ مَا لَا يَجُوز، وحكم من أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً لِيَخفَّ ظُلْمَهُ عَنْهُ، أَو لِيُعْطِيَهُ حَقَّهُ الْوَاجِبَ، وحكم الهدية في الشفاعة)
٤١٧٣ - قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ مَن أَهْدَى هَدِيَّةً لِوَلِيِّ أَمْرٍ لِيَفْعَلَ مَعَهُ مَا لَا يَجُوزُ كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى إلَيْهِ.
وَهَذِهِ مِن الرّشْوَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَعَنَ اللهُ الرَّاشِى وَالْمُرْتَشِي" (١)، وَالرِّشْوَةُ تُسَمَّى الْبِرْطِيلُ، وَالْبِرْطِيلُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْحَجَرُ الْمُسْتَطِيلُ فَاهُ.
فَأَمَّا إذَا أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً لِيَكُفَّ ظُلْمَهُ عَنْهُ، أَو لِيُعْطِيَهُ حَقَّهُ الْوَاجِبَ: كَانَت هَذِهِ الْهَدِيَّةُ حَرَامًا عَلَى الْآخِذِ، وَجَازَ لِلدَّافِعِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إنِّي لَأُعْطي أَحَدَهُم الْعَطِيَةَ فَيَخْرُجُ بِهَا يَتَأَبَّطُهَا نَارًا"، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَلِمَ تُعْطِيهِمْ؟ قَالَ: "يَأْبُوْنَ إلَّا أَنْ يَسْأَلُونِي وَيَأْبَى اللهُ لِي الْبُخْلَ" (٢).
وَأمَّا الْهَدِيَّةُ فِي الشَّفَاعَةِ: مِثْلُ أنْ يَشْفَعَ لِرَجُلٍ عِنْدَ وَليِّ أَمْرِ لِيَرْفَعَ عَنْهُ مَظْلمَةً، أَو يُوَصِّلَ إلَيْهِ حَقَّهُ، أَو يُوَلِّيَة وِلَايَةً يَسْتَحِقُّهَا، أو يَسْتَخْدِمُهُ فِي الْجُنْدِ الْمُقَاتِلَةِ -وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ-. وَنَحْو هَذِهِ الشَّفَاعَةِ الَّتِي فِيهَا إعَانَةٌ عَلَى فِعْلٍ وَاجِبٍ، أَو تَرْك مُحَرَّمٍ: فَهَذِهِ أيْضًا لَا يَجُوزُ فِيهَا قَبُولُ الْهَدِيَّةِ، وَيَجُوزُ لِلْمُهْدِي أنْ يَبْذُلَ فِي ذَلِكَ مَا يَتَوَصَّلُ بهِ إلَى أخْذِ حَقِّهِ، أو دَفْعِ الظُّلْمِ عَنْهُ، هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَن السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَكَابِرِ.
وَيُقَالُ لِهَذَا الشَّافِعِ الَّذِي لَهُ الْحَاجَةُ الَّتِي تُقْبَلُ بِهَا الشَّفَاعَةُ: يَجِبُ عَلَيْك أنْ تَكُونَ نَاصِحًا للهِ وَرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ، وَلَو لَمْ يَكُن لَك هَذَا الْجَاهُ وَالْمَالُ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ لَك هَذَا الْجَاهُ وَالْمَالُ؟
(١) رواه أبو دواد (٣٥٨٠)، والترمذى (١٣٣٦)، وابن ماجه (٢٣١٣)، أحمد (٩٠٢٣). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(٢) رواه أحمد (١١١٢٣).