وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ النِّزَاعَ فِي هَذَا الْأَصْلِ يَتَنَوَّعُ تَارَةً إلَى الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَتَارَةً إلَى جَوَازِ الْأَمْرِ.
وَمِن هُنَا شَبَّهَ مَن شَبَّهَ مِن الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى النَّاسِ حَيْثُ جَعَلَ الْقِسْمَيْنِ قِسْمًا وَاحِدًا، وَادَّعَى تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ مُطْلَقًا؛ لِوُقُوعِ بَعْضِ الْأَقْسَامِ الَّتِي لَا يَجْعَلُهَا عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ مِن بَابِ مَا لَا يُطَاقُ.
وَالنِّزَاعُ فِيهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَسَائِلِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ.
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا: فَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ مِن الْبِدَع الْحَادِثَةِ فِي الْإِسْلَام؛ كَإِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأنَّ النَّاسَ مَجْبُورُونَ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، وَقَدَ اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى إنْكَارِ ذَلِكَ وَذَمِّ مَن يُطْلِقُهُ، وَإِن قَصَدَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ لَا يُقِرُّونَ بِأَنَّ اللهَ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَلَا بِأَنَّهُ شَاءَ الْكَائِنَاتِ.
وَقَالُوا: هَذَا رَدُّ بِدْعَةٍ بِبِدْعَةِ، وَقَابَلَ الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ وَالْبَاطِلَ بِالْبَاطِلِ. ٣/ ٣١٨ - ٣٢٢
* * *
(هل العبد مجبور؟ والراجح في نفي الجبر)
٣٢٧ - يَدْخُلُ عِنْدَهُم -أي: الْأَئِمَّة- الْمُجْبِرَةُ فِي مسَمَّى الْقَدَرِيَّةِ الْمَذْمُومِينَ؛ لِخَوْضِهِمْ في الْقَدَرِ بِالْبَاطِلِ؛ إذ هَذَا جِمَاعُ الْمَعْنَى الَّذِي ذُمَّتْ بِهِ الْقَدَرِيَّةُ.
= الإيمان، وكالقاعد في حال قعوده؛ فإن اشتغاله بالقعود يمنعه أن يكون قائمًا، والإرادة الجازمة لأحد الضدين تنافي إرادة الضد الآخر، وتكليف الكافر الإيمان من هذا الباب.
ومثل هذا ليس بقبيح عقلًا عند أحد من العقلاء؛ بل العقلاء متفقون على أمر الإنسان ونهيه بما
لا يقدر عليه حال الأمر والنهي لاشتغاله بضده إذا أمكن أن يترك الضد ويفعل الضد المأمور به.
وإنما النزاع: هل يسمى هذا تكليف ما لا يطاق؛ لكونه تكليفًا بما انتفت نيه القدرة المقارنة للفعل؟ فمن المثبتين للقدر من يدخل هذا في تكليف ما لا يطاق.
ومنهم من يقول: هذا لا يدخل فيما لا يطاق، وهذا هو الأشبه بما في الكتاب والسُّنَّة وكلام السلف؛ فإنه لا يقال للمستطيع المأمور بالحج إذا لم يحج إنه كلف بما لا يطيق، ولا يقال لمن أمر بالطهارة والصلاة فترك ذلك كسلًا أنه كلف ما لا يطيق. اهـ. منهاج السُّنَة (٣/ ١٠٤ - ١٠٥).