وَلهَذَا تَرْجَمَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ فَقَالَ: (الرَّدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ، وَقَوْلهمْ: إنَّ اللهَ أَجْبَرَ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي).
ثُمَّ روي عَن عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَن بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: سَأَلْت الزُّبَيْدِيَّ وَالْأَوْزَاعِي عَن الْجَبْرِ، فَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: أَمْرُ اللهِ أَعْظَمُ وَقُدْرَتُهُ أَعْظَمُ مِن أَنْ يَجْبُرَ أَو يَعْضُلَ، وَلَكِنْ يَقْضي وَيُقَدِّرُ وَيخْلُقُ وَيجْبِلُ عَبْدَهُ عَلَى مَا أَحَبَّ.
وَقَالَ الأوزاعي: مَا أَعْرِفُ لِلْجَبْرِ أَصْلًا فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، فَأَهَابُ أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ وَالْخَلْقَ وَالْجَبْلَ فَهَذَا يُعْرَفُ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ عَن رَسُولِ اللهِ.
فَهَذَانِ الْجَوَابَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا هَذَانِ الْإِمَامَانِ فِي عَصْرِ تَابِعِي التَّابِعِينَ مِن أَحْسَنِ الْأَجْوِبَةِ.
وَجَوَابُ الأوزاعي أَقْوَمُ مِن جَوَابِ الزُّبَيْدِيِّ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْدِيَّ نَفَى الْجَبْرَ، وَالْأَوْزَاعِي مَنَعَ إطْلَاقَهُ؛ إذ هَذَا اللَّفْظُ يَحْتَمِلُ مَعْنًى صَحِيحًا، فَنَفْيُهُ قَد يَقْتَضِي نَفْيَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
وَهَكَذَا يُقَالُ فِي نَفْي الطَّاقَةِ عَلَى الْمَأمُورِ؛ فَإِنَّ إثْبَاتَ الْجَبْرِ فِي الْمَحْظُورِ نَظِيرُ سَلْبِ الطَّاقَةِ فِي الْمَأْمُورِ. ٣/ ٣٢٢ - ٣٢٥
* * *
هل يعاقب من لم يقر بما أخبر به الرسول ولم يبلغه أنه أخبر به؟
٣٢٨ - عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يُقِرَّ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِن أَنَّ الرَّسُولَ أَخْبَرَ بِهِ وَأَمَرَ بِهِ، وَأَمَّا مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ وَلَمْ يَبْلُغْهُ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ: فَهُوَ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْإِقْرَارِ بِهِ مُفَصَّلًا، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي إقْرَارِهِ بِالْمُجْمَلِ الْعَامِّ.
ثُمَّ إنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ مُتَأَوّلًا كَانَ مُخْطِئًا يُغْفَرُ لَهُ خَطَؤُهُ، إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ وَلَا عُدْوَانٌ.
وَلهَذَا يَجِبُ عَلَى الْعُلَمَاءِ مِن الِاعْتِقَادِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى آحَادِ الْعَامَّةِ،