مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مَاءَ الزَّانِي غَيْرُ مُحْتَرَمٍ وَحُكْمُهُ لَا يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ، هَذَا مَأْخَذُهُ.
وَمَالِكٌ وَأَحْمَد يَشْتَرِطَانِ الاِسْتِبْرَاءَ وَهُوَ الصَّوَابُ، لَكِنْ مَالِكٌ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ يَشْتَرِطَانِ الاِسْتِبْرَاءَ بِحَيْضَةِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَن أحْمَد. أَنَّهُ لَا بُدَّ مِن ثَلَاثِ حِيَضٍ، وَالصَّحِيحُ: أنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا الاِسْتِبْرَاءُ فَقَطْ، فَإِنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ زَوْجَةً يَجِبُ عَلَيْهَا عِدَّةٌ.
وَقَد ثَبَتَ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ وَصَرِيحِ السُّنةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ: أَنَ الْمُخْتَلِعَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا الاِسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَة، لَا عِدَّة كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِذَا كَانَت الْمُخْتَلِعَةُ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مُطَلَّقَةً لَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ؛ بَل الاِسْتِبْرَاءُ -وَيُسَمَّى الاِسْتِبْرَاءُ عِدَّةً- فَالْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَة أَوْلَى، وَالزَّانِيَةُ أَوْلَى.
وَعَلَى هَذَا: فَالْعِدَّةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِن طَلَاقٍ، لَكِنَّ هَذَا أَيْضًا قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَالاِعْتِبَارُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَكونُ إلَّا رَجْعِيًّا، وَأَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ مُبَايِنَةٍ فَلَيْسَتْ مِن الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ حَتَّى الْخُلْع.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْكَلَامُ فِي نِكَاحِ الزَّانِيَةِ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: فِي اسْتِبْرَائِهَا، وَهُوَ عِدَّتُهَا، وَقَد تَقَدَّمَ قَوْلُ مَن قَالَ: لَا حُرْمَةَ لِمَاءِ الزَّانِي، يُقَالُ لَهُ: الاِسْتِبْرَاءُ لَمْ يَكُن لِحُرْمَةِ مَاءِ الْأَوَّلِ؛ بَل لِحُرْمَةِ مَاءِ الثَّانِي؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا وَكَانَت قَد عُلِّقَتْ مِن الزَّانِي.
وَأَيْضًا: فَفِي اسْتِلْحَاقِ الزَّانِي وَلَدَهُ إذَا لَمْ تَكُن الْمَرْأَةُ فِرَاشًا قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ، وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَللْعَاهِرِ الْحَجَرُ" (١) فَجَعَلَ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ دُونَ الْعَاهِرِ.
(١) رواه البخاري (٢٠٥٣)، ومسلم (١٤٥٧).