(الْأَصْلَ فِي الشُّرُوطِ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ)
٤٦١٠ - الْقَاعِدَة: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشُّرُوطِ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ، وَقَد قِيلَ: بَل الْأَصلُ فِيهَا عَدَمُ الصحَّةِ إلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّتِهِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ فَإِنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَد دَلَّا عَلَى الْوَفَاءِ بِالْعُقودِ وَالْعُهُودِ وَذَمِّ الْغَدْرِ والنّكث.
فَإِذَا كَانَ الْمَشْرُوطُ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللّهِ وَشَرْطِهِ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ" (١).
فَإِنَّ قَوْلَهُ: "مَن اشْتَرَطَ شَرْطًا"؛ أَيْ: مَشْروطًا، وَقَوْلَهُ: "لَيْسَ فِي كِتَابِ اللّهِ"؛ أَيْ: لَيْسَ الْمَشْرُوطُ فِي كِتَاب اللّهِ فَلَيْسَ هُوَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللّهُ. وَلهَذَا قَالَ: "كِتَابُ اللهِ أَحَق وَشَرْطُ اللّهِ أَوْثَقُ" (٢)، وَهَذَا إنَّمَا يُقَالُ: إذَا كَانَ الْمَشْرُوطُ يُنَاقِضُ كِتَابَ اللّهِ وَشَرْطَهُ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُ كِتَابِ اللّهِ وَشَرْطِهِ، وَيُقَالُ: "كتَابُ اللّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللّهِ أَوْثَقُ".
وَأَمَّا إذَا كَانَ نَفْسُ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ لَمْ يَنُصَّ اللّهُ عَلَى حِلِّهِ؛ بَل سَكَتَ عَنْهُ: فَلَيْسَ هُوَ مُنَاقِضًا لِكِتَابِ اللّهِ وَشَرْطِهِ حَتَّى يُقَالَ: "كتَابُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَقُ".
وَالْأَصْلُ الثانِي: أنَّ الشَرْطَ الْمُخَالِفَ لِكِتَابِ اللهِ إذَا لمْ يَرْضَيَا إلَّا بِهِ فَقَد الْتَزَمَا مَا حَرَّمَهُ اللهُ، فَلَا يَلْزَمُ، كَمَا لَو نَذَرَ الْمَعْصِيَةَ، وَسَوَاءٌ كَانَا عَالِمَيْنِ أَو جَاهِلَيْنِ.
وَإِن اشْتَرَطَهُ أحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ فَلَمْ يَرْضَ إلَّا بِهِ: فَلَا يَلْزَمُهُ الْعَقْدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْتَزَمَهُ للهِ فَيَلْزَمُهُ مَا كَانَ للّهِ، دُونَ مَا لَمْ يَكُنْ؛ كَالنَّذْرِ وَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تتفَرَّقُ فِيهِ الصَّفْقَةُ.
(١) رواه البخاري (٢١٥٥).
(٢) رواه البخاري (٢١٦٨)، ومسلم (١٥٠٤).