وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ قَبْلَ الرَّجْعَةِ أَو الْعَقْدِ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَد فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِمَا.
وَلَكنْ هَل يَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ أَو ثَلَاثٌ؟ فِيهِ قَوْلَانِ:
قِيلَ: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ؛ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَقيلَ: لَا يَلْزَمُهُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِن السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ.
وَفِي "مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَد" (١) بِإِسْنَاد جَيِّدٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ركانة بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "هِيَ وَاحِدَةٌ". وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِإِسْنَاد ثَابِتٍ أَنَّهُ أَلْزَمَ بِالثَّلَاثِ لِمَن طَلَّقَهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً.
وَحَدِيثُ ركانة الَّذِي يَرْوِي فِيهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَألَهُ وَقَالَ: "مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً": ضَعِيفٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، ضَعَّفَهُ أَحْمَد وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ حَزْمٍ؛ بِأَنَّ رُوَاتَهُ لَيْسُوا مَوْصُوفِينَ بِالْعَدْلِ وَالضَّبْطِ.
وَبَيَّنَ أَحْمَد: أَنَّ الصَّحِيحَ فِي حَدِيثِ ركانة: أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَجَعَلَهَا وَاحِدَةً. ٣٢/ ٦٦ - ٦٧، ٣٣/ ٧٢ - ٧٣
* * *
({لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١)})
٤٦٥٥ - قَالَ تَعَالَى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (١)} الطلاق: ١ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللهُ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ، فَإِنَّهُ لَو شَرَعَ إيقَاعَ الثَّلَاثِ عَلَيْهِ لَكَانَ
(١) (٢٣٨٧).