فَأمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ الْحَلِفُ بِاللّهِ، فَهَذِهِ يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ مُكَفِّرَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ.
وَأمَّا الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَعْقِدَهَا بِمَخْلُوق أَو لِمَخْلُوق؛ مِثْل: أَنْ يَحْلِفَ بِالطَّوَاغِيتِ أَو بِأَبِيهِ أَو الْكَعْبَةِ أَو غَيْرِ ذَلِكَ مِن الْمَخْلُوقَاتِ: فَهَذِهِ يَمِينٌ غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ لَا تَنْعَقِدُ، وَلَا كَفَّارَةَ بِالْحِنْثِ فِيهَا بِاتّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.
لَكِنَّ نَفْسَ الْحَلِفِ بِهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَلِفُ بِالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، إلَّا أَنَّ فِي الْحَلِفِ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد.
وَقَوْل الْجُمْهُورِ: أَنَّهَا يَمِينٌ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا.
وَأَمَّا عَقْدُهَا لِغَيْرِ اللهِ: فَمِثْل أَنْ ينْذرَ لِلْأَوْثَانِ وَالْكَنَائِسِ، أَو يَحْلِفَ بِذَلِكَ فَيَقُولُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ لِلْكَنِيسَةِ كَذَا، أَو لِقَبْرِ فُلَانٍ كَذَا وَنَحْو ذَلِكَ، فَهَذَا إنْ كَانَ نَذْرًا فَهُوَ شِرْكٌ وَإِن كَانَ يَمِينًا فَهُوَ شِرْكٌ، إذَا كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ، كَمَا يَقُولُ الْمُسْلِمُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ هَدْيٌ.
وَأَمَّا إذَا قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْبُغْضِ لِذَلِكَ، كَمَا يَقُولُ الْمُسْلِمُ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَو نَصْرَانِيٌّ، فَهَذَا لَيْسَ مُشْرِكًا.
وَمَا كَانَ مِن نَذْرِ شِرْكٍ أَو يَمِينِ شِرْكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللّهِ مِن عَقْدِهَا، لَيْسَ فِيهَا وَفَاءٌ وَلَا كَفَّارَةٌ، إنَّمَا ذَلِكَ فِيمَا كَانَ للّهِ أَو بِاللّهِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُودُ للّهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَصْدُهُ التَّقَرُّبَ إلَى اللّهِ، لَا مُجَرَّد أَنْ يَحُضَّ أَو يَمْنَعَ، وَهَذَا هُوَ النَّذْرُ، فَإِنَّهُ قَد ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" (١) عَن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ".
(١) مسلم (١٦٤٥).