يَحْلِفْ: فَفِي حِنْثِهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْأقْوَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ. ٣٣/ ٢٢٥
* * *
(حكم من حلف أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى صِفَةٍ فَتَبَيَّنَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ)
٤٦٨٦ - إِنْ اعْتَقَدَ الْحَالِفُ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى صِفَةٍ فَتَبَيَّنَ الْأمْرُ بِخِلَافِهِ: فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِن الْعُلَمَاءِ (١).
وَكَذَلِكَ لَو اعْتَقَدَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ قَادِرٌ عَلَى الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَاجِزٌ: فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ أَحْسَنُ الْقَوْلَيْنِ وَأَقْوَاهُمَا فِي الشَّرْعِ.
وَكَذَلِكَ لَو اعْتَقَدَ أَنَّهُ خَانَ أَو سَرَقَ مَالًا، فَحَلَفَ عَلَى إعَادَتِهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَخُنْ وَلَمْ يَسْرِقْ: فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي أَصَحِّ قَوْلَي الْعُلَمَاءِ. ٣٣/ ٢٢٨
* * *
(حكم من حلف على مُعَيَّنٍ لسبب، ثم زال ذلك السبب)
٤٦٨٧ - إِنَ مَن حَلَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ لِسَبَب؛ كَأنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْبَلَدَ لِظُلْم رَآهُ فِيهِ ثُمَّ يَزُولُ الظُّلْمُ، أَو لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا ثُمَّ يَزُولُ الْفِسْقُ وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَفِي حِنْثِهِ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ، أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَضَّ وَالْمَنْعَ فِي الْيَمِينِ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْي؛ فَالْحَلِفُ على نَفْسِهِ أَو غَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ النَّاهِي عَن الْفِعْلِ.
(١) وقد ثبت في الصحيحين البخاري (٢٧)، ومسلم: ١٥٠) أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أعْطَى رَهْطًا وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ جَالِسٌ فِيهِمْ، قَالَ سَعْدْ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُعْطِهِ، وَهُوَ أعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَكَ عَن فُلَانِ؟ فَوَاللهِ إِني لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَوْ مُسْلِمًا، إِنِّي لَأُعْطى الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أنْ يُكَبَّ: فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ".
قال القرطبي رحمه الله: قول سعد - رضي الله عنه -: "والله إني لأراه مؤمنًا"؛ يعني: أظنُّه، وهو من سعد حلفٌ على ما ظنه، فكانت هذه اليمين لاغية، ولذلك لم ينكرها عليه النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا أمره بكفارة عنها، فكان فيه دليل على جواز الحلف على الظنِّ، وأنَّهَا هي اللاغية، وهو قول مالك والجمهور. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (١/ ٣٦٧).