إلَى اللهِ جَعَلُوهُ نَاذِرًا وَإِن كَانَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ؛ وَلهَذَا جَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- النَّاذِرَ حَالِفًا؛ لأنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلْفِعْلِ بِصِيغَةِ الْمُجَازَاةِ. فَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ مِما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَمَرَهُ بِهِ وَإِلَّا جَعَلَ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. وَكَذَلِكَ الْحَالِفُ إنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يُكَفّرَ يَمِينَهُ إذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا اعْتِبَارًا بِالْمَقْصُودِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيرْضَاهُ أُمِرَ بِهِ وَهُوَ النَّذْرُ الَّذِي يُوَفَّى بِهِ وَإِن كَانَ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ. وَإِن كَانَ غَيْرُهُ أَحَبَّ إلَى اللهِ وَأَرْضَى مِنْهُ أُمِرَ بِالْأَحَبِّ الْأَرْضَى للهِ وَإِن كَانَ بِصِيغَةِ النَّذْرِ وَأمِرَ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ.
وَهَذَا كُلُّهُ تَحْقِيقًا لِطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ وَأَنَّ كُلَّ يَمِينٍ أَو نَذْرٍ أَو عَقْدٍ أَو شَرْطٍ تَضَمَّنَ. مَا يُخَالِفُ أَمْرَ اللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لَازِمًا بَل يَجِبُ تَقْدِيمُ أَمْرِ اللهِ وَرَسُولِهِ عَلَى كُل ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} البقرة: ٢٢٤، وَقَد تَوَاتَرَت الْآثَارُ عَن الصحابة وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ بِأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ أحَدُكمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبَرّ وَلَا يَتَّقِي اللهَ وَلَا يَصِل رَحِمَهُ، فَإِذَا أمِرَ بِذَلِكَ قَالَ: أَنَا قَد حَلَفْت بِاللهِ، فَيَجْعَلُ الْحَلِفَ بِاللهِ مَانِعًا لَهُ مِن طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ.
فَإِذَا كَانَ قَد نَهَى سُبْحَانَهُ أَنْ يُجْعَلَ اللهُ أَي: الْحَلِفُ بِاللهِ: مَانِعًا مِن طَاعَةِ اللهِ، فَغَيْرُ ذَلِكَ أَوْلَى أَنْ يُنْهَى عَن كَوْنِهِ مَانِعًا مِن طَاعَةِ اللهِ.
وَالْأَيْمَانُ الشَرْعِيَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْكَفَّارَةِ كُلُّهَا تَعُودُ إلَى الْحَلِفِ بِاللهِ كَمَا سَنُنَبه عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ بَعْضِ الْآثَارِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأثْرَمُ فِي سُنَنِهِ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللهِ أَحْمَد بْنَ حَنْبَلٍ يُسْأَلُ عَن رَجُلٍ قَالَ: مَا لهُ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ قَالَ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ، أَخْبَرْنَا عِمْرَانُ، عَن قتادة، عَن