فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُن مَقْصُودُهُ الْحُكْمَ عِنْدَ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا الْغَرَضُ الِامْتِنَاعُ مِن فِعْلٍ: فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلَ كَذَا، وَلَيْسَ غَرَضُهُ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ الِامْتِنَاعُ مِن الْفِعْلِ، وَذكَر الْتِزَامَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا تَحْقِيقًا لِلْمَنْعِ.
بِخِلَافِ مَا لَو أَرَادَ ثُبُوتَ التَّحْرِيمِ عُقُوبَةً لَهَا؛ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَو لِأُمِّهَا: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ، فَهُنَا يَكُونُ مَقْصُودُهُ ثُبُوتَ التَّحْرِيمِ، كَمَا أَنَّ فِي "نَذْرِ التَّبَرُّرِ" مَقْصُودُهُ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ، وَكَمَا فِي "الْخُلْعِ" مَقْصُودُهُ أَخْذُ الْعِوَضِ وَنَحْو ذَلِكَ.
ثُمَّ إن طَرَدْنَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ -كَمَا يَتَخَرَّجُ عَلَى أُصُولِنَا، وَكَمَا يُؤْثَرُ عَن الصَّحَابَةِ جُعِلَ الْعِتْقُ دَاخِلًا فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ .. -: فَهُوَ مُتَوَجِّهٌ، وَهُوَ أَقْوَى إنْ شَاءَ اللهُ. ٣٥/ ٣١٩ - ٣٢٣
* * *
كفارة اليمين
٤٩٩٣ - كَفَّارَةُ الْيَمِينِ هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ قَالَ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ}، فَمَتَى كَانَ وَاجِدًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ بِإِحْدَى الثَّلَاثِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِذَا اخْتَارَ أَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَلَهُ ذَلِكَ.
وَمِقْدَارُ مَا يُطْعِمُ: مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ إطْعَامَهُمْ: هَل هُوَ مُقَدَّرٌ بِالشَّرْعِ؟ أَو بِالْعُرْفِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، مِنْهُم مَن قَالَ: هُوَ مُقَدَّرٌ بِالشَّرْعِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ بِالْعُرْفِ لَا بِالشَّرْعِ، فَيُطْعِمُ أَهْلَ كُلِّ بَلَدٍ مِن أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُونَ أَهْلِيهِمْ قَدْرًا وَنَوْعًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ.
وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَأَصْحَابِهِ مُطْلَقًا، وَالْمَنْقولُ عَن أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ هَذَا الْقَوْلُ؛ وَلهَذَا كَانُوا يَقُولُونَ: الْأَوْسَطُ خُبْزٌ وَلَبَنٌ، خُبْزٌ وَسَمْنٌ، خُبْزٌ وَتَمْرٌ، وَالْأَعْلَى خُبْزٌ وَلَحْمٌ.