بَيْنَهُم" (١)، وَهَذَا مِن أَعْظَمِ أَسْبَابِ تَغْيِيرِ الدُّوَلِ، كَمَا قَد جَرَى مِثْلُ هَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فِي زَمَانِنَا وَغَيْرِ زَمَانِنَا.
وَمَن أَرَادَ اللهُ سَعَادَتَهُ: جَعَلَهُ يَعْتَبِرُ بِمَا أَصَابَ غَيْرَهُ، فَيَسْلُكُ مَسْلَكَ مَن أَيَّدَهُ اللهُ وَنَصَرَهُ، وَيجْتَنِبُ مَسْلَكَ مَن خَذَلَهُ اللهُ وَأَهَانَهُ؛ فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١)} الحج: ٤٠، ٤١، فَقَد وَعَدَ اللهُ بِنَصْرِ مَن يَنْصُرُهُ، وَنَصْرُهُ هُوَ نَصْرُ كِتَابِهِ وَدِينِهِ وَرَسُولِهِ، لَا نَصْرُ مَن يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، وَيتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْلَمُ.
فَإِنَّ الْحَاكِمَ إذَا كَانَ دَيِّنًا لَكِنَّهُ حَكَمَ بِغَيْرِ عِلْمٍ كَانَ مِن أَهْلِ النَّارِ، وَإِن كَانَ عَالِمًا لَكِنَّهُ حَكَمَ بِخِلَافِ الْحَقِّ الَّذِي يَعْلَمُهُ كَانَ مِن أَهْلِ النَّارِ، وَإِذَا حَكَمَ بِلَا عَدْلٍ وَلَا عِلْمٍ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مِن أَهْلِ النَّارِ.
وَهَذَا إذَا حَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ مُعَيّنةٍ لِشَخْصِ.
وَأَمَّا إذَا حَكَمَ حُكْمًا عَامًّا فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ فَجَعَلَ الْحَقَّ بَاطِلًا وَالْبَاطِلَ حَقًّا، وَالسُّنَّةَ بِدْعَةً وَالْبِدْعَةَ سُنَةً، وَالْمَعْرُوفَ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفًا، وَنَهَى عَمَّا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَأَمَرَ بِمَا نَهَى اللهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ: فَهَذَا لَوْنٌ آخَرُ، يَحْكُمُ فِيهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ. ٣٥/ ٣٨٤ - ٣٨٨
٥٠٢١ - الْأُمَّةُ إذَا تَنَازَعَتْ -فِي مَعْنَى آيَةٍ أَو حَدِيثٍ أَو حُكْمٍ خَبَرِيٍّ أَو طَلَبِيٍّ-: لَمْ يَكُن صِحَّةُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَفَسَادُ الْآخَرِ ثَابِتًا بِمُجَرَّدِ حُكْمِ حَاكِمٍ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُنَفَّذُ حُكْمُهُ فِي الْأُمُورِ الْمُعَيَّنةِ دُونَ الْعَامَّةِ.
وَلَو جَازَ هَذَا لَجَازَ أَنْ يَحْكُمَ حَاكِمٌ بِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} البقرة: ٢٢٨ هُوَ الْحَيْضُ وَالْأَطْهَارُ، وَيكُونُ هَذَا حُكْمًا يلزمُ جَمِيعَ النَّاسِ قَوْلُهُ .. وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ.
(١) رواه ابن ماجه (٤٠١٩)، وحسَّنه الألباني.