(أهمية طاعة ولاة الأمر، والرد على من زعم أن ما يأخذه من الدولة إنما يأخذه بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ)
٥١٩٠ - ثَبَتَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِن الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي يَأمُرُ فِيهَا بِطَاعَةِ وُلَاةِ الْأمُورِ مَعَ جَوْرِهِمْ مَا يُبَيِّنُ أَنَّهُم إذَا أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُم وَإِن كَانُوا ظَالِمِينَ، فَإذَا حَكمَ حُكمًا عَادِلَا وَقَسَمَ قَسْمَا عَادِلًا: كَانَ هَذَا مِن الْعَدْلِ الَّذِي تَجِبُ طَاعَتُهُم فِيهِ؛ فَالظَّالِمُ لَو قَسَمَ مِيرَاثًا بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ بِكِتَابِ اللهِ كَانَ هَذَا عَدْلًا بِإجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
فَأمَّا إذَا كَانَ فِي الْقِسْمَةِ ظُلْمٌ؛ مِثْل أَنْ يُعْطَى بَعْضُ النَّاسِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّ، وَبَعْضهُم دُونَ مَا يَسْتَحِق: فَهَذَا هُوَ الِاسْتِيثَارُ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَيْثُ قَالَ: "عَلَى الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِي عُسْرِهِ ويُسْرِهِ، وَمَنْشَطِهِ وَمَكرَهِهِ وَأثَرَةٍ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةِ" (١).
وَمَعْلُومٌ أَن هَذَا مَا زَالَ فِي الْإِسْلَامِ مِن وُلَاةِ الْأمُورِ وَمَن دَخَلَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ (٢)، وَإِنَّمَا يُسْتَثْنَى فِي الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمَن اتَّبَعَهُمْ.
فَإذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ: فَالْمُعْطَى إذَا أُعْطِيَ قَدْرَ حَقِّهِ أو دُونَ حَقِّهِ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ بِحُكْمِ قِسْمَةِ هَذَا الْقَاسِمِ، كَمَا لَو قَسَمَ الْمِيرَاثَ وَأَعْطَى بَعْضَ الْوَرَثَةِ حَقَّهُ، كَانَ ذَلِكَ بِحُكْمِ هَذَا الْقَاسِمِ، وَكَمَا لَو حَكَمَ لِمُسْتَحِقٍّ بِمَا اسْتَحَقَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَأخُذَ ذَلِكَ بِمُوجَبِ هَذَا الْحُكْمِ.
وَلَيْسَ لِقَائِل أَنْ يَقُولَ: أَخَذَهُ بِمُجَرَّدِ الِالسْتِيلَاءِ كَمَا لَو لَمْ يَكُن حَاكِمٌ وَلَا قَاسِمٌ (٣)، فَإنَّهُ عَلَى نُفُوذِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ تَبْطُلُ الْأَحْكَامُ وَالْأَعْطِيَةُ الَّتِي فَعَلَهَا وُلَاةُ الْأمُورِ جَمِيعُهُم -غَيْرُ الْخُلَفَاءِ-.
(١) رواه مسلم (١٨٣٩).
(٢) أي: أنهم يستأثرون بالأموال التي هي حقُّ للرعيّة، ويقتسمون كثيرًا منها بأهوائهم لا بالسويّة.
(٣) أي: أنه ما وصله من مال من ولي الأمر إنما أخَذَهُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ، فكأن الحاكم غاصبٌ =