وَحِينَئِذٍ: فَتَسْقُطُ طَاعَةُ وُلَاةِ الْأمُورِ؛ إذ لَا فَرْقَ بَيْنَ حُكمٍ وَقَسْمٍ وَبَيْنَ عَدَمِهِ!
وَفِي هَذَا الْقَوْلِ مِن الْفَسَادِ فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ؛ فَإِنَّهُ لَو فُتحَ هَذَا الْبَاب أَفْضَى مِن الْفَسَادِ إلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِن ظُلْم الظَّالِم.
ثُمَّ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَظُنُّ أَنَّ مَا يَأخُذُهُ قَدْرُ حَقِّهِ، وَكُلُّ وَاحَدٍ إنَّمَاَ يَشْهَدُ اسْتِحْقَاقَ نَفْسِهِ دُونَ اسْتِحْقَاقِ بَقِيَّةِ النَّاسِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْأَمْوَالِ الْمُشْتَرَكَةِ.
وَهَل يجْعَلُ لَهُ مِنْهَا بِالْقِيمَةِ هَذَا أَو أَقَلُّ؟
وَالْإِنْسَانُ لَيْسَ لَهُ أنْ يَكُونَ حَاكِمًا لِنَفْسِهِ وَلَا شَاهِدًا لِنَفْسِهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ قَاسِمًا لِنَفْسِهِ؟
وَالشَّرِيعَةُ جَاءَت بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، وَرَجَّحَتْ خَيْرَ الْخَيْرَيْنِ بِتَفْوِيتِ أَدْنَاهُمَا؟ وَهَذَا مِن فَوَائِدِ نَصْبِ وُلَاةِ الأُمُورِ، وَلَو كَانَ عَلَى مَا يَظُنُّهُ الْجَاهِلُ لَكَانَ وُجُودُ السُّلْطَانِ كَعَدَمِهِ، وَهذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ فَضْلًا عَن أَنْ يَقُولَهُ مُسْلِمٌ.
بَل قَد قَالَ الْعُقَلَاءُ: سِتّونَ سَنَةً مِن سُلْطَانٍ ظَالِمٍ خَيْرٌ مِن لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا سُلْطَانٍ.
وَمَا أَحْسَنَ قَوْل عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ:
لَوْلَا الْأَئِمَّةُ لَمْ يَأمَن لَنَا سُبُلُ … وَكَانَ أَضْعَفُنَا نَهْبًا لِأقْوَانَا ٣٠/ ١٣٤ - ١٣٦
* * *
= لأموال الدولة، فإذا وصله شيء من هذا المال فإنما يأخذه لا لأنه أخذ حقه، بل استولى عليه، ولو استطاع أن يسرق من مال الدولة مالًا لسرقه معتقدًا حلّه، وهذا منهج الخوارج.