(هل نازع معاوية عليًّا الخلافة؟ وما عذر الفريقين في قتالهم؟)
٥٢١٤ - مُعَاوِيةُ لَمْ يَدَّعِ الْخِلَافَةَ، وَلَمْ يُبَايَعْ لَهُ بِهَا حَيْنَ قَاتَلَ عَلِيًّا، وَلَمْ يُقَاتِلْ عَلَى أَنَّهُ خَلِيفَةٌ، وَلَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْخِلَافَةَ، وَيُقِرُّونَ لَهُ بِذَلِك، وَقَد كَانَ مُعَاوِيةُ يُقِرُّ بِذَلِك لِمَن سَأَلَهُ عَنْهُ، وَلَا كَانَ مُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ يَرَوْنَ أَنْ يَبْتَدُوا عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ بِالْقِتَالِ وَلَا يَعْلُوَا.
بَل لَمَّا رَأَى عَلِيٌّ -رضي الله عنه- وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِم طَاعَتُهُ وَمُبَايَعَتهُ، إذ لَا يَكُون لِلْمُسْلِمِيْنِ إلَّا خَلِيفَةٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّهُم خَارِجُونَ عَن طَاعَتِهِ يَمْتَنِعُونَ عَن هَذَا الْوَاجِبِ، وَهُم أَهْلُ شَوْكَةٍ: رَأَى أَنْ يُقَاتِلَهُم حَتَّى يُؤَدُّوا هَذَا الْوَاجِبَ، فَتَحْصُلَ الطَّاعَةُ وَالْجَمَاعَةُ.
وَهُم قَالُوا: إنَّ ذَلِك لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّهُم إذَا قُوتِلُوا عَلَى ذَلِك كَانُوا مَظْلُومِينَ، قَالُوا: لِأَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَتَلَتُهُ فِي عَسْكَرِ عَلِيٍّ، وَهُم غَالِبُونَ لَهُم شَوْكَةٌ، فَإِذَا امْتَنَعْنَا ظَلَمُونَا وَاعْتَدَوْا عَلَيْنَا.
وَعَلِيٌّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُمْ، كَمَا لَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ عَن عُثْمَانَ، وَإِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُبَايِعَ خَلِيفَةً يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْصِفَنَا وَيَبْذُلَ لنَا الْإِنْصَافَ.
* * *
(الإمساك عما شجر بين الصحابة والحكمة فيه، وعدم تعيين المصيب إلا … )
٥٢١٥ - مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ: أَنَّهُ وَإِن كَانَ الْمُخْتَارُ الْإِمْسَاكَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَالِاسْتِغْفَارَ لِلطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا وَمُوَالَاتَهُمْ: فَلَيْسَ مِن الْوَاجِبِ اعْتِقَادُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِن الْعَسْكَرِ لَمْ يَكُن إلَّا مُجْتَهِدًا مُتَأَوِّلًا كَالْعُلَمَاءِ؛ بَل فِيهِم الْمُذْنِبُ وَالْمُسِيءُ، وَفِيهِم الْمُقَصِّرُ فِي الِاجْتِهَادِ لِنَوْعٍ مِن الْهَوَى.
لَكِنْ إذَا كَانَت السَّيِّئَةُ فِي حَسَنَاتٍ كَثِيرَةٍ: كَانَت مَرْجُوحَةً مَغْفُورَةً. ٤/ ٤٣٤
٥٢١٦ - نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التفضيل بين الأنبياء، وعن تفضيله على يونس،