بَل إذَا كَانَ وَليُّ الْأَمْرِ لَا يَسْتَخْدِمُ مَن يَغُشُّهُ وَإِن كَانَ مُسْلِمًا: فَكَيْفَ بِمَن يَغُشُّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ؟
وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ هَذَا الْوَاجِبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ بَل أَيُّ وَقْتٍ قَدَرَ عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِهِم وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا إذَا اُسْتُخْدِمُوا وَعَمِلُوا الْعَمَلَ الْمَشْرُوطَ عَلَيْهِمْ: فَلَهُم إمَّا الْمُسَمَّى وَإِمَّا أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُم عوقدوا عَلَى ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ صَحِيحًا: وَجَبَ الْمُسَمَّى، وَإِن كَانَ فَاسِدًا: وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَإِن لَمْ يَكُن اسْتِخْدَامُهُم مِن جِنْسِ الْإِجَارَةِ اللَّازِمَةِ فَهِيَ مِن جِنْسِ الْجَعَالَةِ الْجَائِزَةِ؛ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُم فَالْعَقْدُ عَقْدٌ فَاسِدٌ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ إلَّا قِيمَةَ عَمَلِهِمْ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَمَلًا لَهُ قِيمَةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ؛ لَكِنْ دِمَاؤُهُم وَأَمْوَالُهُم مُبَاحَةٌ.
وَإِذَا أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ فَفِي قَبُولِهَا مِنْهُم نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ:
- فَمَن قَبِلَ تَوْبَتَهُم إذَا الْتَزَمُوا شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ أَقَرَّ أَمْوَالَهُم عَلَيْهِمْ.
- وَمَن لَمْ يَقْبَلْهَا لَمْ تُنْقَلْ إلَى وَرَثَتِهِمْ مِن جِنْسِهِمْ؛ فَإِنَّ مَالَهُم يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ.
لَكِنَّ هَؤُلَاءِ (١) إذَا أُخِذُوا: فَإِنَّهُم يُظْهِرُونَ التَّوْبَةَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ مَذْهَبِهِم التَّقِيَّةُ وَكِتْمَانُ أَمْرِهِمْ، وَفِيهِمْ مَن يُعْرَفُ وَفِيهِمْ مَن قَد لَا يُعْرَفُ.
فَالطَّرِيقُ فِي ذَلِكَ: أَنْ يُحْتَاطَ فِي أَمْرِهِمْ، فَلَا يُتْرَكُونَ مُجْتَمِعِينَ، وَلَا يُمَكَّنُونَ مِن حَمْلِ السِّلَاحِ، وَلَا أَنْ يَكُونُوا مِن الْمُقَاتِلَةِ، وَيَلْزَمُونَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ مِن الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَيُتْرَكُ بَيْنَهُم مِن يُعَلِّمُهُم دِينَ الْإِسْلَامِ، وَيُحَالُ بَيْنَهُم وَبَيْنَ مُعَلِّمِهِمْ (٢).
(١) من النصيرية والرافضة الغالية والإسماعيلية.
(٢) أي: ساداتهم وعلماءهم.