- وَإِن كَانَ النَّاقِلُ عَن السَّلَفِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: "الظَّاهِرُ غَيْرُ مُرَادٍ" عِنْدَهُم أَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي تَظْهَرُ مِن هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ مِمَّا يَلِيق بِجَلَالِ اللهِ وَعَظَمَتِهِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِصِفَةِ الْمَخْفوقِينَ؛ بَل هِيَ وَاجِبَةٌ للهِ، أَو جَائِزَةٌ عَلَيْهِ جَوَازًا ذِهْنِيًّا، أَو جَوَازًا خَارِجِيًّا، غَيْرَ مُرَادٍ: فَهَذَا قَد أَخْطَأَ فِيمَا نَقَلَهُ عَن السَّلَفِ، أَو تَعَمَّدَ الْكَذِبَ.
وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ وَمُطَالَعَةِ مَا أَمْكَنَ مِن كَلَامِ السَّلَفِ: مَا رَأَيْت كَلَامَ أَحَدٍ مِنْفم يَدُلُّ -لَا نَصًّا وَلَا ظَاهِرًا وَلَا بِالْقَرَائِنِ- عَلَى نَفْيِ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ بَل الَّذِي رَأَيْته أَنَّ كَثِيرًا مِن كَلَامِهِمْ يَدُلُّ -إمَّا نَصَّا وَإِمَّا ظَاهِرًا- عَلَى تَقْرِيرِ جِنْسِ هَذ الصِّفَاتِ. ٥/ ١٠٨ - ١١٠
* * *
(الْأَقْسَامُ الْمُمْكِنَةُ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا)
٤٣٨ - جِمَاعُ الْأَمْرِ: أَنَّ الْأَقْسَامَ الْمُمْكِنَةَ فِي آيَاتِ الضفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا سِتَّةُ أَقْسَامٍ، كُلُّ قِسْمٍ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِن أَهْلِ الْقِبْلَةِ: قِسْمَانِ يَقُولَانِ: تجْرى عَلَى ظَوَاهِوِهَا.
وقِسْمَانِ يَقُولَانِ: هِيَ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهَا.
وقِسْمَانِ يَسْكُتُونَ.
أَمَّا الْأَوَّلُونَ فَقِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَن يُجْرِيهَا عَلَى ظَاهِرِهَا، ويجْعَلُ ظَاهِرَهَا مِن جِنْسِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، فَهَؤُلَاءِ الْمُشْبِهَة وَمَذْهَبُهُم بَاطِلٌ، أَنْكَرَهُ السَّلَفُ، وَإلَيْهِم يَتَوَجَّهُ الرَّدُّ بِالْحَقِّ.
الثَّانِي: مَن يُجْرِيهَا عَلَى ظَاهِرِهَا اللَّائِقِ بِجَلَالِ اللهِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي حَكَاهُ الخطابي وَغَيْرُهُ عَن السَّلَفِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ جُمْهُورِهِمْ، وَكَلَامُ الْبَاقِينَ لَا يُخَالِفُهُ.