وَأَمَّا الْقِسْمَانِ اللَّذَانِ يَنْفِيَانِ ظَاهِرَهَا .. فَهَؤُلَاءِ قِسْمَانِ:
قِسْمٌ: يَتَأَوَّلُونَهَا ويُعَيِّنُونَ الْمُرَادَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى، أَو بِمَعْنَى عُلُوِّ الْمَكَانَةِ وَالْقَدْرِ، أَو بِمَعْنَى ظُهُورِ نُورِهِ لِلْعَرْشِ، أَو بِمَعْنَى انْتِهَاءِ الْخَلْقِ إلَيْهِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِن مَعَانِي الْمُتَكلِّمِينَ.
وَقِسْمٌ يَقُولُونَ: اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ بِهَا، لَكِنَّا نَعْلَمُ أَنَّة لَمْ يُرِدْ إثْبَاتَ صِفَةٍ خَارِجِيَّةٍ عَمَّا عَلِمْنَاهُ.
وَأمَّا الْقِسْمَانِ الْوَاقِفَانِ:
فَقَوْمٌ يَقُولُونَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهَا الْمُرَادَ اللَأئِق بِجَلَالِ اللهِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُرَادُ صِفَةَ اللهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَهَذِهِ طَرِيقَةُ كَثِيرٍ مِن الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَوْمٌ: يُمْسِكُونَ عَن هَذَا كُلِّهِ، وَلَا يَزِيدُونَ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ، مُعْرِضِينَ بِقُلُوبِهِم وَأَلْسِنَتِهِمْ عَن هَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ.
فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ السِّتَّةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ عَن قِسْمٍ مِنْهَا. ٥/ ١١٣ - ١١٧
* * *
تتمة للفوائد المنتقاة من الحموية الكبرى
٤٣٩ - مَن عَلِمَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ مِن الْمُتَفَلْسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْغَالِبِ {لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)} الذاريات: ٨، ٩ يَعْلَمُ الذَكِيُّ مِنْهُم وَالْعَاقِلُ: أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ فِيمَا يَقولُهُ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَأَنَّ حُجَّتَهُ لَيْسَتْ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قِيلَ فِيهَا:
حُجَجٌ تهافت كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا … حَقُّا وَكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسُورٌ (١)
(١) أصل هذا البيت -والله أعلم- لابن الرومي، حيث قال كما في ديوانه (٢٢٥٩):
لذوي الجدالِ إذا غدوا لجدالهم … حججٌ تَضِلُّ عن الهدى وتجورُ
وَهَنٌ كآنية الزجاج تَصادمتْ … فهوتْ وكلٌّ كاسِرٌ مكسور