وَيَعْلَمُ الْعَلِيمُ الْبَصِيرُ بِهِمْ: أَنَهُم مِن وَجْهٍ مُسْتَحِقُّونَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه - حَيْثُ قَالَ: حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، وَيُطَافُ بِهِم فِي الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، وُيقَالُ: هَذَا جَزَاءُ مَن أَعْرَضَ عَن الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ.
وَمِن وَجْهٍ آخَرَ: إذَا نَظَرْت إلَيْهِم بِعَيْنِ الْقَدَرِ -وَالْحَيْرَةُ مُسْتَوْلِيَةٌ عَلَيْهِمْ، وَالشَّيْطَانُ مُسْتَحْوِذٌ عَلَيْهِم-: رَحِمَتْهُم وَترفَّقْت بِهِمْ (١)، أُوتُوا ذَكَاءً وَمَا أُوتُوا زكَاءً، وَأُعْطُوا فُهُومًا وَمَا أُعْطُوا عُلُومًا، وَأُعْطُوا سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} الأحقاف: ٢٦.
وَمَن كَانَ عَلِيمًا بِهَذِهِ الْأمُورِ: تَبَيَّنَ لَهُ بِذَلِكَ حِذْقُ السَّلَفِ وَعِلْمُهُم وَخِبْرَتُهُمْ؛ حَيْثُ حَذَّرُوا عَن الْكَلَامِ وَنَهَوْا عَنْهُ، وَذَمُّوا أَهْلَهُ، وَعَابُوهُمْ، وَعَلِمَ أَنَّ مَن ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَمْ يَزْدَدْ مِن اللّهِ إلَّا بُعْدًا (٢). ٥/ ١١٩ - ١٢٠
* * *
(لَمْ يَثْبُتْ أَنْ لَفَظَ "اسْتَوَى" فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى اسْتَوْلَى)
٤٤٠ - لَمْ يَثْبُتْ أَنْ لَفَظَ "اسْتَوَى" فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى اسْتَوْلَى؛ إذ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ عُمْدَتُهُم الْبَيْتُ الْمَشْهُورُ:
ثُمَّ اسْتَوَى بِشْر عَلَى الْعِرَاقِ … مِن غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مِهْرَاقِ
ولَمْ يَثْبُتْ نَقْل صَحِيحٌ أَنَّهُ شِعْر عَرَبِيٌّ، وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن أَئِمَّةِ اللُّغَةِ
(١) هكذا المؤمن ينظر بعينين لأهل المعاصي والمبتدعة: عين يرى من خلالها شؤم وضلال فعلهم، فيُنكر عليهم ويغضب لله من مُخالفتهم لشريعة ربهم.
وعين يرى من خلالها القدر الجاري عليهم، والبؤس والشقاء الذي يعيشونه، والضلال الذي لم يشأ الله أن يُخرجهم منه، فيرقّ لهم، ويرحم حالهم، وبتلطف في الإنكار عليهم.
(٢) إلى هنا انتهت الفوائد المنتقاة من الحموية الكبرى.