أَنْكَرُوهُ، وَقَالُوا: إنَّهُ بَيْت مَصْنُوعٌ لَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ، وَقَد عُلِمَ أَنَّهُ لَو احْتَجَّ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَاحْتَاجَ إلَى صِحَّتِهِ، فَكَيْفَ بِبَيْت مِن الشِّعْرِ لَا يُعْرَفُ إسْنَادُهُ، وَقَد طَعَنَ فِيهِ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ؟
وَذُكِرَ عَن الْخَلِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمُظَفَّرِ فِي كِتَابِهِ الْإِفْصَاحِ قَالَ: سُئِلَ الْخَلِيلُ: هَل وَجَدْت فِي اللُّغَةِ اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى؟
فَقَالَ: هَذَا مَا لَا تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ، وَلَا هُوَ جَائِزٌ فِي لُغَتِهَا.
وَهُوَ إمَامٌ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَا عُرِفَ مِن حَالِهِ.
فَحِينَئِذٍ حَمْلُة عَلَى مَا لَا يُعْرَفُ حَمْلٌ بَاطِلٌ (١). ٥/ ١٤٦
* * *
(كرَوِيَّةُ الْأَرض والأفلاك، وصفةُ العرش وأنه مُقبب)
٤٤١ - اعْلَمْ أَنَّ الْأرْضَ قَد اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا كُرَوِيَّةُ الشَكْلِ، وَهِيَ فِي الْمَاءِ الْمُحِيطِ بِأَكْثَرِهَا؛ إذ الْيَابسُ السُّدُسُ وَزِيادَةٌ بِقَلِيل، وَالْمَاءُ أَيْضًا مُقَبَّبٌ مِن كُلِّ جَانِبٍ لِلْأَرْضِ، وَالْمَاءُ الَّذِي فَوْقَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا مِمَّا يَلِي رُؤُوسَنَا، وَلَيْسَ تَحْتَ وَجْهِ الْأَرْضِ إلَّا وَسَطُهَا وَنِهَايَةُ التَّحْتِ الْمَرْكَزُ، فَلَا يَكُونُ لَنَا جِهَةٌ بَيِّنَةٌ إلَّا جِهَتَانِ: الْعُلُوُّ وَالسُّفْلُ، وإِنَّمَا تَخْتَلِفُ الْجِهَاتُ بِاخْتِلَافِ الْإِنْسَانِ.
فَعُلُوُّ الْأَرْضِ وَجْهُهَا مِن كُلِّ جَانِبٍ، وَأَسْفَلُهَا مَا تَحْتَ وَجْهِهَا.
وَنهَايَةُ الْمَرْكَز -هُوَ الَّذِي يُسمَّى مَحَطَّ الْأَثْقَالِ-: فَمِن وَجْهِ الْأَرْضِ.
وَالْمَاءُ مِن كُلِّ وُجْهَةٍ إلَى الْمَرْكَزِ: يَكُونُ هُبُوطًا، وَمِنْهُ إلَى وَجْهِهَا صُعُودًا، وَإِذَا كَانَت سَمَاءُ الدُّنْيَا فَوْقَ الْأَرْضِ مُحِيطَة بِهَا فَالثَّانِيَةُ كُرَوِيَّة (٢) وَكَذَا
(١) وقد ذكر الشيخ اثني عشر وجهًا في إبطال تَأوِيلِ مَن تَأوَّلَ اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى. (ص ١٤٤ - ١٤٩).
(٢) في الأصل: كريّة! والتصويب من النسخة التي حققها: أنور الباز - عامر الجزار.