أَعْمَالِ الْعِبَادِ، وَالْمُرَادُ مَجِيءُ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ الَّتِي هِيَ عَمَلُهُ، وَأَعْمَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَة، وَثَوَابُهَا مَخْلُوقٌ.
وَلهَذَا قَالَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِن السَّلَفِ: أنَّهُ يَجِيءُ ثَوَابُ الْفرْآنِ، وَالثَّوَابُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى أَعْمَالِ الْعِبَادِ، لَا عَلَى صِفَاتِ الرَّبِّ وَأَفْعَالِهِ.
وَذَهَبَ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ مِن أَصْحَابِ أَحْمَد إلَى أَنَّ احْمَد قَالَ هَذَا ذَلِكَ الْوَقْتُ، وَجَعَلُوا هَذَا رِوَايَةً عَنْهُ، ثُثَم مَن يَذْهَبُ مِنْهُم إلَى التَّأوِيلِ - كَابْنِ عَقِيل وَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِمَا- يَجْعَلُونَ هَذِهِ عُمْدَتَهُمْ، حَتَّى يَذْكُرَهَا أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَلَا يَذْكُرُ مِن كَلَامِ أَحْمَد وَالسَّلَفِ مَا يُنَاقِضُهَا.
وَلَا ريبَ أَنَّ الْمَنْقُولَ الْمُتَوَاتِرَ عَن أحْمَد يُنَاقِضُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَيُبَيِّنُ أنَّهُ لَا يَقُولُ: إنَّ الرَّبَّ يَجِيءُ وَيَأْتِي وَيَنْزِلُ أَمْرُهُ؛ بَل هُوَ يُنْكِرُ عَلَى مَن يَقُولُ ذَلِكَ.
* * *
٤٥٧ - وسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِي الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد ابْنُ تَيْمِيَّة - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ -: عَن قَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللهِ فِي الْأَرْضِ" (١)، وَقَوْلِهِ: "إني لَأَجِدُ نَفَسَ الرَّحْمَنِ مِن جِهَةِ الْيَمَنِ" (٢).
فَأَجَابَ - رحمه الله -: أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: فَقَد رُوِيَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِإِسْنَاد لَا يَثْبُتُ، وَالْمَشْهُورُ إنَّمَا هُوَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، فَمَن صَافَحَهُ وَقَبَّلَهُ فَكَأنَّمَا صَافَحَ اللهَ وَقَبَّلَ يَمِينَةُ".
وَمَن تَدَبَّرَ اللَّفْظَ الْمَنْقُولَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ إلَّا عَلَى مَن لَمْ يَتَدَبَّرْهُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: "يَمِينُ اللهِ فِي الْأَرْضِ" فَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: "فِي الْأَرْضِ"، وَلَمْ يُطْلِقْ فَيَقُولَ
(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
قال في "القاموس" في مادة "نفس": اسمْ وُضِعَ موضعَ المصدر الحقيقي، من نَفَس تنفيسًا ونَفَسًا؛ أي: فَرّجَ تفريجًا، والمعنى: أنها تُفرجَ الكربَ، وتَنشُر الغيث، وتُذهِبُ الجَدْبَ.